من أصول الاعتقاد للحماية من الإلحاد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد :من المسلّم أن كل داخل إلى أي عمل أو دولة أو عالَم أو طريق أو إدارة .. عليه أن يتعرف على القوانين الجاري بها العمل فيحترمها ليسلم من المخالفات والتبعات . فالداخل الى الدنيا كذلك ينبغي له أن يتأدب ويحترم قوانين مالكها المشرق لشمسها المنير لنورها المحيي والمميت لسكانها متى شاء وأين شاء .ومن أبى أن يتعرف أو تجاهل وجادل فإن المعهود عقلا وقانونا وشرعا أن يتعرض للعقاب وإن طال الزمن , وبدايته الى العقاب ، استخفافه بقانون الله وارتكابه لعظائم ما حرم فيخرج الله من قلبه بذور الفطرة شيئا فشيئا
لذلك جرت عادة الله تعالى أن يتعامل مع الإنسان في الدنيا بالر حمة لا بالانتقام إمهالا له لعله يفكر، أو استدراجا له ليأمن مكر الله فيعيش مفسدا ظالما قال الله تعالى { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابةولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} وقال { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
والناس أمام هذا التعامل الإلهي أصناف . فالجاهل والمعتوه أو المحروم بصفة عامة أكثر الناس استفادة من هذا التعامل الإلهي الرحيم . ولذلك نجد المسلم الجاهل يصعب جدا أن يخترقه الإلحاد . فكما أن عقله مسدود عما ينفعه في دنياه ، مسدود أيضا عما يضره في دينه لذلك تجد أهل البوادي مسلمين في الجملة من بينهم عصاة ، لكن لا تجد فيهم ملاحدة يحاربون خالقهم ورسولهم وشرعهم
بينما تجد المثقف الواعي المنتفع بوعيه دنيا ، بقدر ما ينفتح فكره أمام الثقافات وأمام العلم وأمام إدراك المنافع ، تدخل مع ذلك شبهات وشكوك ومدمرات إلى عقله وسلوكه وتاريخه يحتاج إلى حارس قوي . ومن هنا كان المثقف وكل صاحب نعمة مالا او مكانة او مسئولية ، أحوج الناس إلى مزيد من الاستمساك بالدين صلاة ودعاء وقرآنا وعلما..لأن تعالى جعل مع النعمة مزيدا من الابتلاء والحاجة إليه من ثم كانت طبيعة النعمة تطغى { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } وقد أهلك فرعون بأمنه ، وقارون بماله ، وآخربفصاحته وآخر بشبابه وآخر بقدرته ، في حين حفظ الكثير بحرمانهم من ذلك .
لهذا أخبر الله تعالى أنه إذا أراد أن يهلك عدوا سلط عليه النعم فقال الله تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين }
وطبيعة الدين يحفظ التوازن في الإنسان أمام النعم فلا تهلكه ثقافته ، ولا يطغيه علمه .
ومن الأمثلة النافعة هنا قراءة حياة المفكر الكبير الدكتور : مصطفى محمود الطبيب المميز الذي هاجمه الإلحاد ، فخاض معه معركة شرسه يسقط مرة ويقوم أخرى حتى انتصر بالدين . وكتابه : حوار مع صديقي الملحد ،نقطة مهمة في هذا المحور وكذلك سائر كتبه . وقد ضخى بمهنته لمقاومة الإلحاد ومقارعة الشكوك .
والأهم في قصة هدايته وفي قصة أي مهتد ، ملاحظة القابلية لقبول الحق ، لأن من شروط النجاح في البحث ، النزاهة فيه والاستعداد لقبول النتائج فهذا منطلق ملايين من الغربيين وجدوا في الدنيا من آباء كافرين لكنهم لما بحثوا عن ربهم صادقين أنار الله طريقهم وآواهم إليه . وهم أصحاب المكانة العالية والمجتمعات الراقية لكنهم رأوا أن الحق أحق بالاتباع مثل الطبيب الماهر ألكسيس كارليل وموريس بوكاي . في حين نجد في عالمنا العربي من ليس له شيء في شيء لا قيمة ولا قامة وقد وجد في الدنيا من أبوين مسلمين لكنهم أبواق للإ لحاد بلا ثمن لا مقام لهم بين أمتهم ، ولا بين الأمم لأن الخائن لدينه أنى له أن يقبله يهود او نصارى . فحالهم كحال من يتبول على نفسه .
إن الممانعة شيء ضروري في الكون ، فقد جعل الله خيراته في الأرض فشرط البحث عنها والتعب من أجل الحصول عليها فقال (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) وأودع التمور على رؤوس النخيل عالية علوا تجاوز طول الإنسان بأضعافه بالرغم من أنها خلقت له فلماذا هذا الارتفاع ؟ إن الحياة دروس تعلم التكلف والتعب للبناء والحصول على الرزق. بل أمر الله المرأة وهي منهوكة القوة على مشارف الولادة ان تبذل جهدها وقال ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ) .
وجعل الأسماك والجواهر في أعماق البحار وأمر الإنسان بالتفكير والتكلف لاستخراجها ، كذلك جعل الإيمان في الأرض والسماء والبحار والنفوس والوحي وأمر الإنسان بالتكلف والتعب والتضرع والتعب للحصول على رزقه من ذلك فقال ( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) وقال ( مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ..)
وجعل في الحياة انواعا من الأذى وجعل في الإنسان الإحساس للسعي الى اتقاء نفسه منها فاستجاب الإنسان باحثا عن لباسه وأكله وشرابه وعلمه ودوائه فوقى نفسه من الحر والقر ، والجوع والعطش والأمراض ..كل ذلك دروس للإنسان حتى يتصور ضرورة بحثه عما يقي به قلبه وفكره مما يهدده من شكوك وأشواك الملحدين ووساوس الشيطان .
فمن العجب العجاب ، أن يتحرك الإنسان ضد اسباب المنافع ثم يشتكي الحرمان منها أو يدعي نكرانها عمن يتمتع بها ؟
إن الحمار لينهق ، عندما يريد أن يعبر عن سعادته ، فهل حاله سعيد عند من عرف وأدرك ؟
لذالك ينبغي لدارس الإسلام أن يبدأ بأصول الاعتقاد قبل غوامضه وغيبياته . فلكل إدراك أسس .وايه لا أساس له لايمكن لبنائه أن يقوم .
فينبغي أن يضع حدا لطغيان فكره بمساءلته عن الخلق والإنبات والمرض والتصرف المطلق في الكون للغيب فالحياة والارزاق واسباب كل شيء هي غيب ينتفع بها الانسان ولا يدرك حقيقة كيفيتها . فهي التي جعلها الله دليلا عليه ووصفها بالآيات وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاما يغرس هذه الاسس في القلوب لتواجه شبهات الأفكار في الحياة .
أما إذا بدأ الانسان بدراسة العظائم والغرائب فحاله كمبتدئ يريد الصيد في أعالي البحار ، وكمبتدئ يبدأ تعلمه بمرحلة الثانوية ، او الجامعية .
ينبغي للملحد أن يجعل في فكره أن الله تعالى أخبر أنه يخادع من يخادعه ، ويمكر بمن يمكر به ويضيق على من يضيق واسعه .
وأخبر ايضا بسنة الحياة أن اي إنسان لا يسلك الطرق الكونية للوصول الى الاشياء فإنه لا يصل . فالمسائل العلمية لا يستوعب العقل منها الا بالتدرج وبكميات محدودة كما وكيفا بكلمات وامثلة وتدريبات لسنوات طوال . فلا يتخرج طبيبا او طيارا او عالماما ، الا بعد عشرين اوثلاثين سنة من الدراسة . فيصبح بذلك يتعامل مع العظائم المحيرة والغرائب التي لايتصورها الجاهل . فيجري عملية على القلب وعلى الدماغ والاعصاب . ؟؟ وينزل الى اعماق البحار أو على سطح القمر ويخبر بمعان في اعماق الارض ويطير في الآفاق .
فلو اراد أن يخالف هذا القانون الإلهي الكوني فيحاول أن يحيط عقله بهذا العلم في سنة واحدة او أيام معدودة فإن طاقة عقله لا تتسع لهذه القوة في هذه المدة مما يضطر العقل إلى الخروج تاركا مساحته للعلم الهاجم بلا ضوابط . فبدلا من كونه كان ينتظر ان يكون طبيا فإذا به أحمق ؟ (قد فصلنا الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون )
بقلم أستاذي الدكتور عبد الحفيظ العبدلاوي حفظه الله
تعليقات
إرسال تعليق