قيمة الإنسان بمعناه لا مبناه
القلب قطعة لحم لكنه سلطان الجوارح – الكلي يغسل الدم 300 مرة في اليوم – الدماغ يصنع العجب – السمع – البصر - الدم - كلها أجهزة غير معقولة المعنى بمقارنتها مع وضائفها الإعجازية .فبالنظر إلى معنى الإنسان نجده سرا من أسرار الله صور به علمه وقدرته وعظمته الخارقة تعرف به إلى خلقه ليتعرفوا عليه . لذلك جعله محطة النظر والتفكير والاعتبار فقال { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } فبالنظر إلى هذه المعاني والمعالي نصور الإنسان معجزة ذا مكانة وعظمة وعلم لكن بالنظر إلى مبناه نجده مخلوقا يأكل الحيوانات يتخمر في بطنه فتصير شيئا لا يذكر .
- لقد أخرج الله هذا الإنسان إلى الدنيا بدون إدراك . ثم حلاه بالسمع والبصر والعقل والقوة والمال والعلم فتحول إلى خلق آخر لذلك جعل الله هذا محطة تفكير أيضا فقال {ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين }
أخرج الله الإنسان إلى الدنيا صفحة ، صورته صورة آدمي ولكن اكتماله وصفاته ومستواه الآدمي يسير إليها بالزمن والتكوين والتربية والمسايرة والعمل ينتظر اللغة ـ القراءة ـ التربية ـ الثروة ـ اللباس .... أماكن هذه الأشياء موجودة لكنها فارغة تنتظر التعبئة .
يقول أبو بكر بن العربي : خلق الإنسان من نتن وقذر [ من ماء مهين ] ثم حلي بعقل وسمع وبصر فالرذيلة صفة لازمة والفضيلة صفة مكتسبة . اهـ
فالجهل صفة لازمة والعلم صفة مكتسبة . والعري والجوع والحاجة صفة لازمة ولد عليها يصير إلى ضدها بالبحث والاستسلام للحقائق الكونية التابتة فالشرف للتربية لا للتربة
وإذا تمعننا في خلقة الدنيا نجدها بهذه السنة، مخلوقة على ضعف وتقشف مطلق مثل الإنسان .
تتقدم وتبنى وتكبر فمنجزاتها الساحرة مكتسبة كانت مطوية في أحشائها، تنتظر الوصول إليها بتحقيق أسباب التمكين التي حولتها إلى خلق آخر زروعا وثمارا وصناعات ومكتشفات ومدن ... فالتربة واحدة لأن الإنسان من التراب فإن تربت التربة أنبتت خيرات وعجائب وإن أهملت أنبتت الأشواك وكانت مأوى للزواحف والحشرات .وكذلك العقول من تربى وساير حتى أصبح من صناع العجائب، ومن انعكس وساير حتى أصبح من قطاع الطرق .
فالإنسان خلق ساكن الجسم ساكن الوصف فإذا تحرك جسمه تحرك وصفه من الخلق إلى الخُلُق فإما طيبا وإما خبيثا .
يقول الأستاذ النابلسي في مقدمة كتابه موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة :
إن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه أعظم تكريم، وسخر له الكون تسخير تعريف وتفضيل، ووهبه نعمة العقل، وفطره فطرة تنزع إلى الكمال، وأودع فيه الشهوات ليرقى بها صابرا أو شاكرا إلى رب الأرض والسماوات . اهـ أودع فيه الشهوات لا ليكون بغلا وإنما ليرقى في فترة شبابه بالصبر، وفي فترة زواجه بالشكر، وفي فترة فقره بالصبر وفي فترة غناه بالشكر ...
بقلم أستاذي الدكتور عبد الحفيظ العبدلاوي
تعليقات
إرسال تعليق