حرق المصحف في السويد
*بسم الله الرحمن الرحيم*
عبد الله بن فيصل الأهدل
الخميس 1444/7/4هـ
أدان العديد من الدول العربية والمنظمات الإسلامية حرق نسخة من المصحف الشريف في السويد أمام سفارة تركيا في ستوكهولم، على يد زعيم حزب دنماركي يميني متطرف.
وأصدرت السلطات السويدية قرارًا يسمح لزعيم حزب الخط المتشدد "هارد لاين" الدانماركي اليميني المتطرف "راسموس بالودان" بحرق نسخة المصحف الشريف أمام مبنى السفارة التركية في ستوكهولم، نكاية بالحكومة التركية التي تعوق انضمام السويد لحلف "الناتو".
أشد المواقف -نسبيًّا- كان في أنقرة؛ حيث استدعت الخارجية التركية السفير السويدي وأبلغته إدانتها بأشد العبارات هذا العمل الاستفزازي الذي يرقى إلى مستوى جرائم الكراهية بكل وضوح.
وشددت الوزارة على رفضها موقف السويد إزاء هذا العمل، وأنَّ تركيا تنتظر من السلطات المعنية عدم السماح بممارسته. كما أبلغت "هيرستروم" بأن إهانة القيم المقدسة لا يمكن الدفاع عنها تحت ستار "الحقوق الديمقراطية".
وهذه الجريمة لم تفتأ السويد تقترفها بين فينة وأخرى منذ العام ۲۰۱۷م.
وتذرعت السويد بـ"حرية التعبير" لتمرير هذه الجريمة، وقال وزير الخارجية السويدي "توبياس بيلستروم": إن "الاستفزازات المعادية للإسلام مروعة".
وأضاف "بيلستروم" على "تويتر": السويد لديها حرية تعبير بعيدة المدى، لكن هذا لا يعني أن الحكومة أو أنا نفسي ندعم الآراء التي يتم التعبير عنها.
وكتب رئيس الوزراء المحافظ في تغريدة له: إن حرية التعبير هي جزء أساسي من الديمقراطية، لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون مناسبًا.
وأكد أنَّ حرق كتب مقدسة يعتبر بالنسبة للكثيرين عملًا غير محترم للغاية، وقال: أريد أن أعبر عن تعاطفي مع جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة جراء ما حصل في ستوكهولم. انتهى.
إن حرية التعبير والديمقراطية التي يتشدق بها الغرب هي في الواقع انتقائية ومتناقضة؛ فليست هناك حرية مطلقة للرأي في أي دولة أوروبية بما فيها السويد، فقد نصت المادة (25) من الدستور السويدي على حق الحكومة في تقييد الحرية الدينية للأجانب، كما نصت المادة (4) على أنَّ ملك السويد يجب أن يعتقد العقيدة الإنجيلية النقية، وإلا فلا حق له في العرش..
إذن فالديمقراطية والحرية هي لحماية المسيحية وليس من أجل حقوق الإنسان.
وازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع المسلمين على وجه الخصوص بات أمرًا واضحًا.
*ونقول وبالله التوفيق:*
استهانة هؤلاء الكفار بكتاب الله عزَّ وجلَّ ليست جديدة؛ فالاستهزاء بالقرآن دأب الكفار المعاندين من قديم الزمان؛ قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ 7 يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 8 وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.
والآيات في ذكر ذلك كثيرة..
وفرعون وملؤه كانوا يضحكون من آيات الله عزَّ وجلَّ استهزاءً بها؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 46 فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ﴾.
وهكذا حال مكذبي الرسل في كل زمان؛ قال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا﴾.
يقول الطبري: وقوله: ﴿وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا﴾ يقول: واتخذوا الكافرون بالله حججه التي احتج بها عليهم، وكتابه الذي أنزله إليهم، والنذر التي أنذرهم بها سخريًّا يسخرون بها... [جامع البيان (18/51)].
فاستهزاء كفرة السويد والدنمارك -وغيرهم- بكتاب الله عزَّ وجلَّ ليس بجديد..
ورغم ضعف المسلمين في زماننا هذا فقد قام بعض المسلمين بحرق أعلام السويد في تظاهرات قاموا بها عند سفارات السويد في تركيا وغيرها، وجزاهم الله خيرًا على غيرتهم.. لكنه غير كاف، فبإمكان الشعوب الإسلامية أن تعمل ما هو أكثر من ذلك، فمثلًا:
1. بإمكان المسلمين في السويد ودول أوروبا أن يلاحقوا هؤلاء المسيئين قضائيًّا، وحتى لو لم يكسبوا القضية فإن استنزافهم ماليًّا وإعلاميًّا يضر بهم ويحصل به الـمُستطاع من الإنكار.
2. حملات إعلامية منسقة ذات شعبتين؛ الأولى تبين عظمة القرآن ودين الإسلام على المستوى العالمي، والثانية تبين ظلم وجهل مخالفيه، فلله الحمد يوجد في أفراد الشعوب الإسلامية من يستطيع أن يفعل ما لا يفعله إعلام دول من خلال الفضاء المفتوح.
3. المقاطعة الاقتصادية، وقد أثبتت نجاحها في الدنمارك وفي فرنسا؛ حيث خسرتا مليارات الدولارات بسبب المقاطعة في حملات مشابهة.
4. الضغط على تغيير القانون السويدي بمختلف الوسائل الممكنة؛ فقد نجحت الضغوطات في استصدار قرار من المحكمة الأوروبية بأن الإساءة إلى النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ليس من حرية الرأي.
فعلى المسلمين أن يبذلوا جهدهم في جهاد أعداء الله ورسوله من الكفار، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» [رواه أبو داود (2504)، وصححه الألباني].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ... فإن المحبة مستلزمة للجهاد؛ لأن الـمُحِبَّ: يُحب ما يُحب محبوبه ويُبغض ما يُبغض محبوبه، ويوالي من يواليه ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به وينهى عما ينهى عنه؛ فهو موافق له في ذلك.
وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم؛ إذ هم إنما يرضون لرضاه ويغضبون لما يغضب له... [مجموع الفتاوى (10/58)].
ويقول ابن القيم: ... والولاية أصلها الحب، فلا موالاة إلا بحب، كما أن العداوة أصلها البغض، والله ولي الذين آمنوا وهم أولياؤه، فهم يوالونه بمحبتهم له وهو يواليهم بمحبته لهم؛ فالله يوالي عبده المؤمن بحسب محبته له، ولهذا أنكر سبحانه على من اتخذ من دونه أولياء بخلاف من والى أولياءه فإنه لم يتخذهم من دونه بل موالاته لهم من تمام موالاته، وقد أنكر على من سوَّى بينه وبين غيره في المحبة وأخبر أن من فعل ذلك فقد اتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًّا لله، وأخبر عمن سوَّى بينه وبين الأنداد في المحبة أنهم يقولون في النار لمعبوديهم: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ٩٧ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وبهذا التوحيد في المحبة أرسل الله سبحانه جميع رسله وأنزل جميع كتبه وأطبقت عليه دعوة جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم الى آخرهم ولأجله خلقت السموات والأرض والجنة والنار... [الجواب الكافي صـ(164 - 165)].
أعزَّ الله تعالى كتابه، وأذل أعداءه، الذين جعلوا كتاب الله وراءهم ظهريًّا ولم يعملوا به، أو الذين استهزأوا به وأحرقوه..
تعليقات
إرسال تعليق