كيف يجب نشر الإسلام ؟
قال جدنا محدث الحرمين الشريفين الإمام محمد المنتصر الكتَّاني رحمه الله :
" وكما يجب نشر الإسلام يجب نشر لغته، ولقد كان الأمر كذلك منذ القرن الأول إلى بعد القرن الثاني الهجري بقرنين أو ثلاثة قرون إلى مدة مائتي سنة، حتى جاءت وثنية الوطنية والقومية فتعصب لذلك؛ نتيجة نفاق المنافقين وكفر الكافرين وصد الصادين عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي عصره جاء الرحالة المغربي ابن بطوطة من أرض طنجة من المغرب ورحل لمدة ثلاثين عاماً في ديار المسلمين في المشارق والمغارب والشمال والجنوب، ولم يكن يعرف إلا اللغة العربية، فكان يتكلم بها مسافراً ومهاجراً ورحالة، وتقلد في أكثر هذه الأقطار مناصب عالية كحاكم وقاض، وما كان يتكلم إلا بلغته العربية فيفهمون عنه ويفهم عنهم، وتزوج زوجات في كل مصر دخله زوجتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وكن يمتنعن من السفر معه فيطلقهن ويترك لهن أولاده، فلم يعودوا يتصلون به.
فهو كان عملياً يتكلم اللغة العربية وكانت كل شعوب الإسلام تتكلم بها.
فـ ابن تيمية ذكر هذا علماً، وابن بطوطة المغربي ذكر هذا جلوساً ووقوفاً بنفسه على ذلك، وما تغير هذا إلا منذ قرنين بعد فساد الأزمان وانتشار الجهل وتولي الكافرين مصالح المسلمين وشئونهم، فاخترعوا لهم التعصّب للوطن وللأقوام، وهي عقائد وثنية جاهلية.
والمسلم جميع ديار الإسلام وطنه، وجميع المسلمين إخوانه؛ ولذلك الكفرة من بعض الحكام إذا أرادوا امتحان موظف سألوه: هل المواطن اليهودي أو النصراني أقرب إليك أو المسلم الهندي أو الأندونيسي؟ فإن قال: المسلم أخي حيث كان أسقطوه ولم يعدوه وطنياً أو قومياً، مع أن كتاب الله وعقيدة المسلمين على خلاف ذلك، والله يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
فالمؤمن أخي حيث كان في أرض الله، في أمريكا أو في أوروبا أو في الهند أو في الصين، فجميع من قال: لا إله إلا الله فهو أخي، وليس أخي من أشرك بالله ولم يؤمن بالإسلام ديناً ولو كان من أقرب الأقربين إليّ، فذاك أخي؛ لأن الله آخى بيني وبينه، وذاك عدوي أو تحت ذمتي وليس أخاً لي بحال من الأحوال".(تفسير المنتصر الكتاني)(9/298).
وقال أيضًا :
"ثم فسد الناس وضعفوا في دين الله، واتخذوا من الوثنية والقومية أوثاناً وأصناماً ، فتعصبوا للغاتهم وأوطانهم وعشائرهم، فأضاعوا لغة العرب؛ لغة كتاب الله، ولغة دين الله، فأصبح كتاب الله مترجماً إلى لغات إسلامية، وإلى لغات فارس والهند، ثم بعد ذلك إلى لغات جميع سكان الأرض.
تلك البدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ونرى اليوم الدعاة فرطوا فيها وتتابعوا فيها وهم يظنون أنهم يدعون إلى خير، وتلك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وما دعا رسول الله العرب والعجم إلا بلغة العرب لغته ولغة القرآن الكريم، ثم تتابع بعد ذلك خلفاؤه الراشدون، فما نصروا الإسلام في كتابه وسنته إلا بلغة العرب، فكانت الدعوة إلى اللغة العربية، وما لغة العرب إلا القرآن والسنة؛ لأن من لم يعلم لغة العرب لا يعلم القرآن ولا يعلم السنة النبوية، إلا إذا نشأ بين أهلها وفي بيئتها وتعلمها طفلاً وتحدث بها صغيراً، أما إذا تعلمها على كبر فيكون تعلماً ناقصاً وقاصراً، فقد رأينا الكثيرين ممن نصبوا أنفسهم دعاة إلى الإسلام، ما تعلموا لغة العرب إلا عن كبر، فأتوا بالمصائب في تفسير كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خرج به بعضهم عن الإسلام، والبعض الآخر قال: إن النبي لا يطاع إلا إذا كان معه آية قرآنية، وفيما عدا ذلك ليست طاعته بواجبة، فهذا قول كافر، فمن قاله بعد تحريره وتبيينه وأصر عليه يعتبر كافراً".(تفسير الإمام محمد المنتصر الكتاني)(3/310).
الشيخ الحسن بن علي الكتاني
تعليقات
إرسال تعليق