الحديث التاسع عشريَا غُلامُ ! إِنِّي أَعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظ الله يَحْفَظْكَ،
عَنْ أبي العباس عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسِ الله» قَالَ: كُنْت خَلفَ النَّبِي ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا غُلامُ ! إِنِّي أَعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهُ تَجِدْهُ تَجَاهَكَ، إِذَا سَأَلَت فَاسْأَلِ الله، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ ينفعوك إلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَك، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ؛ رُفِعَتِ الأَقْلامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». رَوَاهُ التَّرْمِذِي وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التُّرْمِذِيُّ: «احْفَظ الله تَجِدْهُ أمامك ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهُ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُكَ الشَّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَلَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِنَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ في النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنْ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا (۱) .الشــــــرح
قوله: كنت خلف النبي يحتمل أنه راكب معه، ويحتمل أنه يمشي خلفه، وأيا كان فالمهم أنه وصاه بهذه الوصايا العظيمة.
قال: «إني أعلمك كلمات: قال ذلك من أجل أن ينتبه لها . الكلمة الأولى: قوله : احفظ الله يحفظك هذه كلمة: «احفظ الله»؛ يعني: احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه، يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانهم.
وعلم هذا أن من من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزوجل وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله عزوجل الكلمة الثانية : قال : احفظ الله تجده تجاهك»: ونقول في قوله: «احفظ الله» كما قلنا في الأولى، ومعنى: تجده تجاهك»؛ أي: تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه. الكلمة الثالثة: قوله : إذا سألت فاسأل الله : إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عبران ولا تسأل المخلوق شيئًا وإذا قدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه، فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله ان فاعتمد على الله تعالى.
الكلمة الرابعة: قوله : (وإذا استعنت فاستعن بالله فإذا أردت العون، وطلبت العون من أحد، فلا تطلب إلا من الله؛ لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الاستعانة وتوكلت عليه أعانك وإذا استعنت بمخلوق فيما قدر عليه فاعتقد أنه سبب وأن الله هو الذي سخره لك.
الكلمة الخامسة: قوله : واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة؛ لأنه هو الذي كتبه ،له وهذا حثَّ لنا على أن نعتمد على الله تعالى، ونعلم أن الأمة لا يجلبون لنا خيرًا إلا بإذن الله عزوجل.
الكلمة السادسة: وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك وعلى هذا، فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء الله وبقدره ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سيِّئَةُ مِثْلُهَا [الشورى: ٤٠] .
الكلمة السابعة: رفعت الأقلام وجفت الصحف ؛ يعني أن ما كتبه الله تعالى قد انتهى، فالأقلام ،رفعت، والصحف ،جفت، ولا تبديل لكلمات الله. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: احفظ الله تجده أمامك»، وهذا بمعنى: «احفظ الله تجده اتجاهك».
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة»؛ يعني: قم بحق الله عزون في حال الرخاء،وفي حال الصحة، وفي حال الغنى يعرفك في الشدة» إذا زالت عنك الصحة، وزال عنك الغنى، واحتجت إلى الله - عرفك بما سبق لك، أو بما سبق من فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك يعني أم أن ما قدر الله تعالى أن يصيبك، فإنه لا يخطئك ، بل لا بد أن يقع؛ لأن الله قدره. وأن ما كتب الله أن يخطئك - رفعه عنك - فلن يصيبك أبدا، فالأمر كله بيد الله، وهذا يعتمد الإنسان على ربه اعتمادًا كاملا ثم قال: واعلم أن النصر مع الصبر فهذه الجملة فيها الحث على الصبر؛ لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من أجل أن ينال الصبر.
وقوله: (وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا». الفرج: انكشاف الشدة، والكرب الشديد، جمعه كروب كمال قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يسرا [الشرح : ٥، ٦] .
في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه فوائد:
من فوائده ملاطفة النبي الله لمن هو دونه حيث قال: «يا غلام إني أعلمك كلمات». ومن فوائده أنه ينبغي لمن ألقى كلاما ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب لفت الانتباه حيث قال: يا غلام إني أعلمك كلمات. ومن فوائد هذا الحديث أن من حفظ الله حفظه ؛ لقوله: «احفظ الله يحفظك»، وسبق معنى : احفظ الله يحفظك.
ومن فوائد الحديث . أن من أضاع الله - :أي أضَاع دين الله - فإن الله يضيعه ولا يحفظه، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَهُمْ أَنفُسَهُمْ أَوْلَيكَ هُمُ الْفَسِقُونَ [الحشر: ١٩].
ومن فوائد هذا الحديث أن من حفظ الله عز هداه ودله على ما فيه الخير وأن مِنْ حفظ الله له أن يمنع عنه الشر إذ قوله : احفظ الله تجده تجاهك، كقوله في اللفظ .الآخر: «تجده أمامك».
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة، فليستعن بالله، ولكن لا مانع أن يستعين بغير الله يمكنه أن يعينه؛ لقوله النبي ﷺ: وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه، صدقة» (۱).
ومن فوائد هذا الحديث أن الأمة لن تستطيع أن ينفعوا أحدًا إلا إذا كان الله قد كتبه له، ولن يستطيعوا أن يضروا أحدًا إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه.
ومن فوائد هذا الحديث أنه يجب على المرء أن يكون معلقا رجاؤه بالله عزوجل وأن لا يلتفت إلى المخلوقين فإن المخلوقين لا يملكون له ضرا ولا نفعا .
ومن فوائد هذا الحديث أن كل شيء مكتوب منتهى منه ، فقد ثبت عن النبي ﷺ أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض، بخمسين ألف سنة.
ومن فوائد هذا الحديث في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله بطاعته.
میں قبل أن يحلق ومن فوائد هذا الحديث في الرواية الأخرى: أن الإنسان إذا تعرف إلى الله بطاعته في الصحة والرخاء، عرف فيه الله تعالى في حال الشدة، فلطف به وأعانه وأزال شدته. ومن فوائده أن الإنسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئًا؛ فإنه لا يخطئه، وأن الله إذا لم يكتب عليه شيء فإنه لا يصيبه. ومن فوائد هذا الحديث : البشارة العظيمة للصابرين وأن النصر مقارن للصبر.
ومن فوائده البشارة العظيمة أيضًا بأن تفريج الكربات، وإزالة الشدات مقرون بالكرب فكلما كرب الإنسان الأمر فرج الله عنه. ومن فوائده أيضًا البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر وقد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن فقال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسرِيرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ بُرا ) [الشرح: ٦،٥] . فإذا عسرت بك الأمور فالتجئ إلى الله عزك منتظرا تيسيره مصدقًا بوعده.
تعليقات
إرسال تعليق