البرق والرعد في القرآن الكريم
البرق والرعد في القرآن الكريم
جاء ذكر كل من ظاهرتي البرق والرعد في ست آيات قرآنية كريمة هي كما يلي:
البقرة:(20,19)، الرعد:(13,12)، النور:(43)، الروم:(24).
وقد ثبت علميا أن هاتين الظاهرتين مرتبطتان بتكون السحب الركامية. والسحب أنواعها كثيرة، وتختلف باختلاف طرق تكونها، كما تختلف في أشكالها وأحجامها، وفي إرتفاع قاعدة كل منها عن مستوى سطح البحر، ولذلك صنفت في أكثر من عشرين نوعا، ولكن هذه الأنواع يمكن ضمها في مجموعتين أساسيتين هما:
1- مجموعة السحب الطباقية: وهي تتكون قريبا من مستوى سطح البحر، وسمكها قليل نسبيا، وأمطارها متوسطة إلى غزيرة، ولكنها لا تصاحب بأي من البرد أو البرق والرعد.
2- مجموعة السحب الركامية: وهي تتكون عادة في الأجزاء العليا من نطاق المناخ الأرضي، على ارتفاعات تتراوح بين 10 و 20 كم فوق مستوى سطح البحر. وهي عظيمة السمك، وتتشكل على هيئة الجبال، وهذه السحب هي التي تصاحب بتكون كل من البرد والثلج وبظاهرتي البرق والرعد، وهي من أكثر السحب مطرا ومصاحبة بالعواصف الرعدية والأعاصير.
ويمكن مناقشة الآيات القرآنية الكريمة التي تصف ظاهرتي البرق والرعد في النقاط التالية:
أولا: يقول ربنا تبارك وتعالى: *أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ* (النور:43).
وهذه الآية الكريمة تصف تكون السحب الركامية بدقة وإحكام بالغين، مع الإشارة إلى علاقتها بتكون كل من البرد والبرق، وعلاقة البرق بتكون البرد، وذلك من قبل أن يصل الإنسان إلى فهم كيفية تكون تلك الظواهر الكونية بأكثر من أحد عشر قرنا (بنياميين فرانكلين 1752، نيكولا تسلا ،1899، 1929) وذلك على النحو التالي:
1- (ألم تر أن الله يزجي سحابا): (يزجي) أي: يسوق سوقاً رفيقاً، والرياح تسوق السحب إلى مناطق تجمعها بأمر من الله تعالى مما يؤدى إلى زيادة كمية بخار الماء في مسارها بالتدريج حتى تصل إلى منطقة التجمع، وهذا السوق ضروري لتكون السحب الركامية.
2- (ثم يؤلف بينه): والتأليف: هو الجمع مع الترتيب والملاءمة، ومن المعلوم أن سرعة السحاب تكون أبطأ من سرعة الرياح المسيرة له، وكلما كبر حجم السحابة كانت سرعتها أبطأ، وذلك بسبب تأثير قوى الإعاقة ((Drag Forces. وتقل سرعة الرياح كلما اتجهنا إلى مناطق التجمع لاصطدامها ببعضها البعض، وهي قادمة من إتجاهات متعارضة. ويؤدي ذلك إلى تقارب السحب من بعضها وتلاحمها، وهذه هي عملية التآلف.
3- (ثم يجعله ركاما): والركم في اللغة يعني إلقاء الشيء بعضه فوق بعض. فإذا التحمت سحابتان أو أكثر فإن تيار الهواء الصاعد في داخل خليطهما يزداد شدة بصفة عامة، ويؤدي ذلك إلى جلب مزيد من بخار الماء من أسفل موضع التجمع (التآلف) إلى أعلى. وهذا بدوره يزيد من الطاقة الكامنة لتكثف بخار الماء، ويعمل ذلك على زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد داخل هذا الخليط من السحب، دافعاً بمكوناته إلى ارتفاعات شاهقة. وتكون هذه التيارات الهوائية الصاعدة أشد ما تكون في الوسط ، وتقل على الأطراف مما يؤدي إلى ركم هذه المكونات على الجانبين لتشكل السحب الركامية. وقد أثبتت الشواهد أنه كلما كان التحام السحب كثيفا كلما زادت عملية الركم زيادة ملحوظة، وبالتالي زاد سمك السحاب المركوم. فتجمع السحب بكميات كبيرة يؤدي إلى زيادة ركمها، وبالتالي إلى زيادة سمكها، وزيادة إمكاناتها على إنزال الأمطار الغزيرة المصاحبة بكل من الثلج و البرد والبرق والرعد.
والسحاب الركامي يصل إلى ارتفاعات شاهقة قد تبلغ ما بين 10 و 20 كم فوق مستوى سطح البحر، ولذلك فهو يشتمل على قطرات ماء بارد في قاعدة السحابة، وعلى خليط من ماء شديد البرودة وحبات البرد في وسطها، وعلى بلورات الثلج في قمتها. وتستمرعملية الركم في بناء السحاب الركامي طالما استمرت تيارات الهواء في الصعود، وكانت قادرة على حمل مكوناتها من قطرات الماء، وحبات البرد وبلورات الثلج إلى أعلى. وعندما تضعف هذه الرياح الرأسية الصاعدة عن حمل مكوناتها تتوقف عملية الركم، وتبدأ أجزاء من حمولتها في الهبوط إلى الأرض.
4- (فترى الودق يخرج من خلاله) الودق: هو المطر، وهذا المطر ينزل من خلال السحب الركامية بغزارة شديدة، مصاحبا بكل من البرد والثلج والبرق والرعد. وذلك نتيجة لتكون قطرات من ماء شديد البرودة. وهذه القطرات غير مستقرة بمعنى أنها تتجمد فور اصطدامها ببعضها أوبأي جسم آخر. وفي حالة وجود تيار هوائي صاعد بشدة داخل السحاب الركامي تحدث هذه التصادمات فينتج عنها تحول قطرات الماء الشديد البرودة إلى ثلج يغطى حبات البرد، فتكبر حتى يثقل وزنها فتهبط إلى الأرض بإذن الله تعالى نازلة مع المطر من قاعدة السحاب الركامي في الزمان والمكان وبالقدر الذي يشاؤه الله.
5- (وينزل من السماء من جبال فيها من برد): والمقصود بلفظ السماء هنا هو نطاق المناخ المحيط بالأرض، أي: وينزل الله تعالى من كتل السحاب الركامي التي تشبه الجبال في شكلها، والناشئة في سماء الأرض (أي في نطاقها المناخي) بعض ما فيها (من برد)، وذلك لأن (من) هنا تبعيضية، والبرد لا ينزل كله دفعة واحدة من السحب الركامية.
6- (فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء): وهنا يقرر الله تعالى أن نزول البرد (قدرا، ومكاناً، وزماناً) مرهون بمشيئته تعالى، ووفق السنن التى أودعها كل شيء فيكون نعمة للبعض، ونقمة على الآخرين.
7- (... يكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ*): يتكون البرق نتيجة لعملية تفريغ كهربي بين مستويين مختلفي الشحنة الكهربية في داخل سحابة واحدة، أو بين سحابتين تحمل كل منهما شحنة كهربية مختلفة، أو بين السحب الركامية والأرض. ولنمو حبات البرد وانصهارها دور أساسي في شحن السحب الركامية بالكهرباء. ويصاحب هذه العملية انطلاق كميات من الأشعة فوق البنفسجية التي قد تصيب شبكية عين الإنسان بحروق شديدة فتسبب له العمى المؤقت أو الدائم، لذلك قال تعالى: (يكاد سناً برقه يذهب بالأبصار)، والضميرفي كلمة (برقه) هنا يعود على البرد، وعلاقة البرد بتكون البرق لم تعرف إلا في أواخرالقرن العشرين.
ويرافق البرق ظاهرة الرعد التي تحدث نتيجة للارتفاع الفجائي في كل من الضغط ودرجة الحرارة في الغازات المحيطة بخطوط البرق، مما يؤدي إلى تمددها بشكل هائل ومفاجئ، وإلى إندفاع الهواء بكميات كبيرة من المناطق المحيطة ليملأ مناطق التخلخل مما يتسبب في الموجات الصوتية الحادة التي نسمعها في العواصف الرعدية. وترتبط قوة صوت الرعد بشدة البرق، وبالمسافة التي تفصل الشخص السامع للصوت عن مصدر حدوث الرعد.
والبرق يدرك أولا لأن وهجه يتحرك بسرعة تتراوح بين بضعة عشرات ومئات الكيلومترات في الثانية الواحدة، وقد تصل إلى 250 كم \ ث للشعاع القائد، ومائة ألف كم \ ث للشعاع الراجع من الأرض، ويسمع الرعد بعد ذلك بفترة طويلة، لأن موجاته تتحرك بسرعة الصوت (حوالي 340 م \ ث). والفارق الزمني بين وقوع هذين الحدثين يمكن أن يستخدم في تحديد بعد المصدر الذي صدرا منه. و نظرا للسرعة الفائقة للشعاع الكهربائي الذي يعود صاعدا من الأرض إلى منطقة التأين في السحب الركامية، فإن إدراكه يستحيل إلا بواسطة أجهزة التصوير فائقة السرعة، وفي ذلك يقول رسول الله ﷺ: "ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين" (صحيح مسلم).
وهكذا ترتب هذه اآلأية الكريمة مراحل تكون السحاب الركامي خطوة خطوة، مشيرة إلى التدرج الزمني في تحقيق ذلك بدقة فائقة. ولذلك تستخدم حرف العطف (ُثم) الذى يدل على الترتيب مع التراخي للأحداث التي تستغرق وقتا طويلا في عملية تكون السحب الركامية، بينما تستخدم حرف الفاء (ف) الذي يدل على الترتيب والتعقيب للأحداث التي تتم على الفور، كما تشير إلى الإرتباط الوثيق بين تكون كل من البرد والبرق لآول مرة في تاريخ البشرية.
ثانيا: يقول ربنا تبارك وتعالى: *أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ* يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* (البقرة:20,19).
وهاتان الآيتان الكريمتان تؤكدان أثر البرق على نظر المتأمل فيه، وهي حقيقة لم تفهم أسبابها إلا مؤخرا، وذلك على النحو التالي:
1- (أو كصيّب من السماء فيه ظلمات و رعد وبرق): و(الصيب) هو المطر من (الصوب) وهو النزول، أي نزول المطر، وقد سمى المطربهذا التعبير لنزوله من السحاب إلى الأرض. والتشبيه في الآيتين ضرب مثلا للمنافقين، يصف حيرتهم في الدنيا، وشدة هذه الحيرة في الظلمات المحيطة بهم من كل جانب. والأمطار الشديدة يصاحبها عادة تكاثف للسحب، وحجبها لضوء الشمس مما يؤدي إلى تكون ظلمات تشبه ظلمة الليل. وعادة ما يصاحب ذلك بحدوث كل من البرق والرعد، لأن البرق يكون مصحوبا دائما بدرجات حرارة عالية تؤدي إلى التمدد الفجائي للهواء حول خيط البرق، واندفاع الهواء المحيط به ليملأ التخلخل الناشىء مما يؤدي إلى حدوث تلك الأصوات العنيفة التى تعرف باسم (الرعد).
2- (يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ...): ووهج أنوارالبرق يخطف الأبصار حتى لا تكاد العين أن ترى شيئا، و ذلك من آثاره على شبكية العينين فتحتاجان لبضعة دقائق حتى تتخلصان مما أصابهما من تغيرات فيزيائية وكيميائية، وانفعالات نفسية ثم تستعيدا الرؤية. ومن هذه التغيرات التأثير الكيميائي لوهج أنوار البرق على صبغ العين الأرجواني المعروف باسم (الروديسين) والذي يلعب دورا هاما في المطابقة الضوئية / الظلامية، مما يحدث فقدانا مؤقتا لعملية الإبصار للحظات معدودة. ولكن إذا طال تعرض الإنسان لأنوارالبرق فإن بصره قد يختطف بالكامل نتيجة لاحتراق البقعة الشبكية المركزية بسبب صعقة أنوار البرق الساطعة وما بها من أشعة تحت حمراء.
ثالثا: *هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ* وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ* (الرعد: 13,12).
وهاتان الآيتان الكريمتان تشيران إلى أن للبرق فوائد كثيرة، كما انه قد يكون عقابا من الله تعالى، و تؤكدان إرتباط تكون البرق بالسحب الركامية، لأن وصف (السحاب الثقال) هو وصف دقيق لتلك السحب لأنها هي أكثر أنواع السحب سمكا وكتلة، ويمكن تفصيل ذلك فيما يلى:
1- (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ):
من فوائد البرق المعروفة أنه يقوم بدور أساسي في تجديد طبقة الأوزون الواقية من الأشعة فوق البنفسجية. وذلك لأن البرق يعمل على رفع درجة حرارة الهواء في الأماكن القريبة من منطقة تشكله، حيث تصل درجة حرارة الضربة إلى ما يقارب 20000 درجة مئوية. وبهذه الدرجات العالية من الحرارة يعمل البرق على أكسدة جزء من نيتروجين الجو إلى عدد من أكاسيد هذا الغاز التى تذوب في ماء المطر مكونة حمض النيتروجين الذي ينزل بدوره على تربة الأرض متفاعلا مع أملاحها ليكون عددا من الأسمدة النافعة للزراعة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن صاعقة البرق والرعد إذا أصابت المنشئات فإنها تدمرها، وإذا أصابت الأحياء من الإنسان والحيوان والنبات فإنها تصعقهم وتقضي عليهم في الحال. وكذلك المطر الغزير وما قد يصاحبه من كل من البرد والثلج قد تكون له آثارا تدميرية كبيرة.
2- (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ...): وظاهرتا البرق والرعد هما صورة من صور تسبيح الكائنات غير المكلفة لله تعالى، و فهم الإنسان لشيئ من أسباب تكون هاتين الظاهرتين الكونيتين وأمثالهما لا يخرجها عن كونها جندا من جند الله يسخرها حيث يشاء، وفي الوقت الذي يشاء، وعلى من يشاء من خلقه، وهذا مما يؤكد قدرة جميع صور الخلق غير المكلف – ومنه كل من البرق والرعد – على طاعة أوامر الله تعالى وتسبيحه، وهو القائل:
*تسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً* (الإسراء:44).
و كان رسول الله ﷺ إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" ثم يضيف: "إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد".
رابعا: *وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* (الروم:24).
وهذه الآية الكريمة تؤكد أن البرق هو نعمة كبيرة من نعم الله، كما قد يكون نقمة من نقمه التي يعاقب بها من يشاء من عباده، وتشير إلى أن أغزر المطر هو الذي ينزل من السحب الركامية المزنية، وذلك على النحو التالي:
1- وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا...):
لا يتكون البرق إلا في السحب الكثيفة المثقلة الغنية ببخار الماء، والممتدة عاليًا كالجبال الشامخات والتي تسمى بأسم السحب الركامية. و يَصْحب ذلك ظواهر أخرى كالعواصف الرعدية. وإذا بلغ البرق سطح الأرض فإنه ينتخب الأجزاء المرتفعة لإفراغ شحنته الكهربائية فيها مدمرًا للجماد وصاعقًا لما يمر به من الأحياء.
ولم تكن أسباب البرق معروفة حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، حين أثبت كل من الأمريكي بنيامين فرانكلين وعدد من علماء المناخ الفرنسيين في سنة 1752 م-كل على حدة- أن البرق عبارة عن عملية تفريغ لشحنة كهربية مجهولة المصدر، حيث يمكنها توليد شرارة إذا اقتربت من سطح الأرض. وقد استخدم فرانكلين طائرة ورقية أطلقها أثناء عاصفة رعدية وربط فيها مفتاحاً معدنياً متصلاً بطرف قريب من سطح الأرض، فلاحظ تولد شرارة كهربية بين الطرف المعدني المتصل بالطائرة وبين الأرض. ثم أعاد غيره من العلماء التجربة مرات عديدة، وكان بعضها مأساويَا، ففي عام 1753 م قام الفيزيائي السويدي جورج رتشمان بتجربة مماثلة لكن الشحنة الكهربية صعقته في الحال. ثم تبعهم في هذا المجال عبقري بحوث الكهرباء نيقولا تسلا فى سنة 1890، 1899، إلا أن عملية شحن السحب الركامية بالكهرباء بقيت أمرا غامضا. ثم تبع هذه الحقبة جيوش من علماء مجالي الكهرباء والمناخ الذين لم يتمكنوا من إدراك العلاقة بين كل من البرق والبرد إلا في أواخر القرن الميلادي العشرين. ففي هذه الفترة الزمنية المتأخرة أدرك كل من علماء الكهرباء وعلماء المناخ أن الوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالشحنات الكهربية، وأن احتمال تلامس الشحنات الكهربائية المتعاكسة كبير، ولذلك فإن البرق الداخلي يمثل ثلاثة أرباع ضربات البرق، وحينئذ يرى المراقب من سطح الأرض توهجا خافتا تحجبه طبقات السحب الكثيفة. وقد يحدث التفريغ الكهربي في أعلى الغيمة فتتكشف عتمة السحب الكثيفة للناظر بهيئة ظلمات متباينة الإعتام تحجب وميض البرق.
ويأخذ البرق أشكالاً عديدة بسبب انتشار الشرارة في كتل هوائية متباينة الضغط ودرجة الرطوبة؛ فيظهر بهيئة خط متعرج أو شريط ذي خطوط شبه متوازية. وتتعدّد أنواع البرق تعددا كبيرا فمنها ما هو خرزي، وشريطي، ومتقطع، ومتفرّع، ومنها ما هو من السحابة للأرض، وما هو من الأرض للسحابة، وهناك البرق الحراري، والبرق الجاف، وكذلك البرق متوسط الشدة والصاروخي.
وإذا وصلت ضربة البرق إلى سطح الأرض فيعتمد خطرها على موضع تفريغ الشحنة، والأجسام المعدنية التي توضع فوق الأبنية العالية في المناطق التي تكثر فيها الصواعق و التي تسمى بموانع الصواعق لا تمنعها في الحقيقة؛ وإنما تقوم بتسريب الشحنة الكهربائية خلال موصلات معدنية نحو الأرض فتحرف مسارها وتدفع خطرها.
وتتكون السحب الركامية إبتداءا نتيجة سخونة سطح الأرض وتسخين الهواء الملامس لها مما يؤدي إلى تحرك الرياح من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض ثم إرتفاعها عالياً بهيئة دوامات حاملة لبخار الماء الذي يتكثف في المناطق العليا الباردة، ويكون تجمعات من سحب الركام قد يصل ارتفاعها إلى 18 كم فوق مستوى سطح البحر. ويوافق هذا التفسير كثرة العواصف الرعدية في المناطق الاستوائية. وتتميز سحب الركام بنزول المطر الغزير والبَرَدْ وحدوث البرق و الرعد (الصواعق)، وقد يبلغ قطر حبة البَرَدْ حوالي 10 -15 سم، ومع إزدياد حجمها تصبح أكثر تدميرًا نتيجة زيادة شدة الارتطام مما يسبب خسائر كبيرة لكل من المنشآت والمحاصيل، والحيوانات وحتى الإنسان.
ويعترف كل من علماء المناخ والهندسة الكهربائية بأن دراسة العوامل المحتملة التأثير في عملية تكون الشحنات الكهربية في السحب الركامية والتي تتسبب فى حدوث البرق عند بلوغ الحد الحرج لم تكتمل بعد، فقد تدخل في هذه العملية عدة عوامل مثل درجة التشبع ببخار الماء، واحتكاك قطرات الماء المتكثف بالهواء، وشدة الرياح. وربما يكون للرياح الشمسية المشحونة كهربيا تأثير ما، لكن يبقى تكون البرق مرتبطا أساسًا بتكون البَرَدْ في أعلى السحب الركامية. وذلك لأن البَرَدْ يتحرك دوريا داخل السحابة نحو الأعلى تحت تأثير تيارات الحمل الصاعدة من الهواء، ونحو الأسفل بزيادة وزنه نتيجة لاكتساب حباته مزيدًا من طبقات الجليد في المنطقة العليا، حيث تتدنى درجة الحرارة فتكسب حبات البَرَدْ خلال حركتها إلى أعلى السحب الركامية عددا من الإلكترونات السالبة، فيشحن أعلى السحابة بشحنة موجبة، وخلال حركته نحو الأسفل يشحن أسفل السحابة بشحنة سالبة.
وعندما تجتمع الظروف المناسبة وتنضج السحابة تسعى الشحنة الكهربية السالبة في قاعدة السحابة لشحن الجو الرطب دونها بشحنة سالبة، وتتوجه نحو الأرض يقودها ما يسمى باسم الشعاع القائد لضربة البرق. وينتقل البرق في خطوات متدرجة كل منها قد يبلغ عشرات الأمتار، وقد تبلغ سرعة الشعاع القائد 60 ألف متر \ثانية، وعلى بعد عشرات الأمتار من سطح الأرض تقابله الشحنة الموجبة صاعدة نحوه نتيجة التجاذب بين الشحنتين، وتمتد نحو السحابة خلال نفس المسار في الهواء الذي مهده الشعاع القائد بتأيين الهواء بالشحنة السالبة؛ ولذا تسمى بالضربة المرتجعة، وهي المسؤول الأساسي (حوالي 99%) عن تفريغ الشحنة الكهربية وتوليد الوميض الحاد أو وهج البرق.
ونتيجة للشحنة الكهربائية الهائلة التي تشق طريقها في الهواء، يسخن هذا الهواء فجأة في أجزاء قليلة من الثانية لتبلغ درجة حرارته حوالي 20 ألف إلى 30 ألف درجة مئوية؛ والتسخين الفجائي للهواء لدرجة الحرارة الهائلة تلك يولد موجة صدمية فوق صوتية تُسمع كأصوات عاتية مرعبة متتابعة بهيئة دمدمة وقعقعة تسمى باسم الرعد نتيجة لدوي الإنفجار الذي تصاحبه موجة تمدد الهواء فجأة والموجات الإرتدادية لذلك، وتردد هذه الموجات مع صدى الصوت المنعكس على سطح الأرض وعلى السحب في تلك المنطقة من الجو وما يجاورها من الغلاف الغازي للأرض. وذلك لأن لمح البرق ينتقل في الجو بسرعة كبيرة بينما تنتقل موجات الرعد بسرعة الصوت (حوالي 343 متر/ثانية عند مستوى سطح البحر). ويُمكن تقدير بُعد المصدر بمعرفة الفارق الزمني بين الحدثين. وقد يحدث البرق ولا يسمع الرعد لبعد المصدر، وقد يُسمع الرعد ولا يشاهد البرق لوقوعه داخل غيمة السحب.
ولضربات البرق أخطار لا يمكن تجاهلها لأنه يحدث حوالي 100 مرة كل ثانية، وفي اللحظة الواحدة تحدث حوالي 2000 عاصفة رعدية، وفي العام حوالي ستة ملايين عاصفة برقية، ويقوم البرق بتفريغ تيار يبلغ أكثر من مائة مليون فولت على الأقل في كل مرة وقد يصل إلى ألف مليون فولت، فأنت إذا أمام قوة رهيبة تدخل في صلب العمليات المقدرة لتوزيع المطر على سطح الأرض، وفي ذات الوقت قد تكون تلك القوة الرهيبة مصدرًا لدمار لا يدفعه أي احتياط.
و قد لا يتصور كثير من الناس أن ومضات البرق ودمدمة الرعد هي رسائل من الخالق سبحانه وتعالى إلى خلقه المكلف، لا يغيب مغزاها عن الفطن منهم حيث، تشهد بتقدير مُسبق وتدبير واحد لا تصنعه إلا مشيئة واحدة علية وقدرة إذا شاءت جعلت النعمة نقمة. وهي ظاهرة مُحَيِّرَة لم يعرف الإنسان تفسيرها إلا مؤخراً في عصر العلم، ومن العجب أن يكشف القرآن الكريم – وهو الكتاب الذي أنزل من قبل ألف واربعمائة سنة- عن عدد من أسرار هذه الظواهر الكونية، فقد أتت آياته موافقة للواقع كدليل على صدق النبوة الخاتمة.
وفي هذه الآية الكريمة تصريح بالتلازم بين البرق وسحاب الركام المُعَبَّر عنه بالسحاب الثقال، وهو تعبير وصفي دقيق يلتقي مع المعرفة الحديثة بأن السحاب الركامي ثقيل الوزن ترفعه تيارات الحمل من أسفل إلى أعلى وأنه هو أثقل أنواع السحب.
والبرق يلتقطه البصر كومضات خاطفة أو لمح، فهو إذن ظاهرة ضوئية مرئية ناسبها خصَّ البرق بتعبير (الرؤية) في قوله تعالى: (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ)، وقد يتحول البرق إلى صواعق تحرق أي شيء تَطَاله من معالم سطح الأرض، وتصعق الأحياء نتيجة لما تحتويه من الشحنات الكهربائية الهائلة.
جاء ذكر كل من ظاهرتي البرق والرعد في ست آيات قرآنية كريمة هي كما يلي:
البقرة:(20,19)، الرعد:(13,12)، النور:(43)، الروم:(24).
وقد ثبت علميا أن هاتين الظاهرتين مرتبطتان بتكون السحب الركامية. والسحب أنواعها كثيرة، وتختلف باختلاف طرق تكونها، كما تختلف في أشكالها وأحجامها، وفي إرتفاع قاعدة كل منها عن مستوى سطح البحر، ولذلك صنفت في أكثر من عشرين نوعا، ولكن هذه الأنواع يمكن ضمها في مجموعتين أساسيتين هما:
1- مجموعة السحب الطباقية: وهي تتكون قريبا من مستوى سطح البحر، وسمكها قليل نسبيا، وأمطارها متوسطة إلى غزيرة، ولكنها لا تصاحب بأي من البرد أو البرق والرعد.
2- مجموعة السحب الركامية: وهي تتكون عادة في الأجزاء العليا من نطاق المناخ الأرضي، على ارتفاعات تتراوح بين 10 و 20 كم فوق مستوى سطح البحر. وهي عظيمة السمك، وتتشكل على هيئة الجبال، وهذه السحب هي التي تصاحب بتكون كل من البرد والثلج وبظاهرتي البرق والرعد، وهي من أكثر السحب مطرا ومصاحبة بالعواصف الرعدية والأعاصير.
ويمكن مناقشة الآيات القرآنية الكريمة التي تصف ظاهرتي البرق والرعد في النقاط التالية:
أولا: يقول ربنا تبارك وتعالى: *أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ* (النور:43).
وهذه الآية الكريمة تصف تكون السحب الركامية بدقة وإحكام بالغين، مع الإشارة إلى علاقتها بتكون كل من البرد والبرق، وعلاقة البرق بتكون البرد، وذلك من قبل أن يصل الإنسان إلى فهم كيفية تكون تلك الظواهر الكونية بأكثر من أحد عشر قرنا (بنياميين فرانكلين 1752، نيكولا تسلا ،1899، 1929) وذلك على النحو التالي:
1- (ألم تر أن الله يزجي سحابا): (يزجي) أي: يسوق سوقاً رفيقاً، والرياح تسوق السحب إلى مناطق تجمعها بأمر من الله تعالى مما يؤدى إلى زيادة كمية بخار الماء في مسارها بالتدريج حتى تصل إلى منطقة التجمع، وهذا السوق ضروري لتكون السحب الركامية.
2- (ثم يؤلف بينه): والتأليف: هو الجمع مع الترتيب والملاءمة، ومن المعلوم أن سرعة السحاب تكون أبطأ من سرعة الرياح المسيرة له، وكلما كبر حجم السحابة كانت سرعتها أبطأ، وذلك بسبب تأثير قوى الإعاقة ((Drag Forces. وتقل سرعة الرياح كلما اتجهنا إلى مناطق التجمع لاصطدامها ببعضها البعض، وهي قادمة من إتجاهات متعارضة. ويؤدي ذلك إلى تقارب السحب من بعضها وتلاحمها، وهذه هي عملية التآلف.
3- (ثم يجعله ركاما): والركم في اللغة يعني إلقاء الشيء بعضه فوق بعض. فإذا التحمت سحابتان أو أكثر فإن تيار الهواء الصاعد في داخل خليطهما يزداد شدة بصفة عامة، ويؤدي ذلك إلى جلب مزيد من بخار الماء من أسفل موضع التجمع (التآلف) إلى أعلى. وهذا بدوره يزيد من الطاقة الكامنة لتكثف بخار الماء، ويعمل ذلك على زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد داخل هذا الخليط من السحب، دافعاً بمكوناته إلى ارتفاعات شاهقة. وتكون هذه التيارات الهوائية الصاعدة أشد ما تكون في الوسط ، وتقل على الأطراف مما يؤدي إلى ركم هذه المكونات على الجانبين لتشكل السحب الركامية. وقد أثبتت الشواهد أنه كلما كان التحام السحب كثيفا كلما زادت عملية الركم زيادة ملحوظة، وبالتالي زاد سمك السحاب المركوم. فتجمع السحب بكميات كبيرة يؤدي إلى زيادة ركمها، وبالتالي إلى زيادة سمكها، وزيادة إمكاناتها على إنزال الأمطار الغزيرة المصاحبة بكل من الثلج و البرد والبرق والرعد.
والسحاب الركامي يصل إلى ارتفاعات شاهقة قد تبلغ ما بين 10 و 20 كم فوق مستوى سطح البحر، ولذلك فهو يشتمل على قطرات ماء بارد في قاعدة السحابة، وعلى خليط من ماء شديد البرودة وحبات البرد في وسطها، وعلى بلورات الثلج في قمتها. وتستمرعملية الركم في بناء السحاب الركامي طالما استمرت تيارات الهواء في الصعود، وكانت قادرة على حمل مكوناتها من قطرات الماء، وحبات البرد وبلورات الثلج إلى أعلى. وعندما تضعف هذه الرياح الرأسية الصاعدة عن حمل مكوناتها تتوقف عملية الركم، وتبدأ أجزاء من حمولتها في الهبوط إلى الأرض.
4- (فترى الودق يخرج من خلاله) الودق: هو المطر، وهذا المطر ينزل من خلال السحب الركامية بغزارة شديدة، مصاحبا بكل من البرد والثلج والبرق والرعد. وذلك نتيجة لتكون قطرات من ماء شديد البرودة. وهذه القطرات غير مستقرة بمعنى أنها تتجمد فور اصطدامها ببعضها أوبأي جسم آخر. وفي حالة وجود تيار هوائي صاعد بشدة داخل السحاب الركامي تحدث هذه التصادمات فينتج عنها تحول قطرات الماء الشديد البرودة إلى ثلج يغطى حبات البرد، فتكبر حتى يثقل وزنها فتهبط إلى الأرض بإذن الله تعالى نازلة مع المطر من قاعدة السحاب الركامي في الزمان والمكان وبالقدر الذي يشاؤه الله.
5- (وينزل من السماء من جبال فيها من برد): والمقصود بلفظ السماء هنا هو نطاق المناخ المحيط بالأرض، أي: وينزل الله تعالى من كتل السحاب الركامي التي تشبه الجبال في شكلها، والناشئة في سماء الأرض (أي في نطاقها المناخي) بعض ما فيها (من برد)، وذلك لأن (من) هنا تبعيضية، والبرد لا ينزل كله دفعة واحدة من السحب الركامية.
6- (فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء): وهنا يقرر الله تعالى أن نزول البرد (قدرا، ومكاناً، وزماناً) مرهون بمشيئته تعالى، ووفق السنن التى أودعها كل شيء فيكون نعمة للبعض، ونقمة على الآخرين.
7- (... يكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ*): يتكون البرق نتيجة لعملية تفريغ كهربي بين مستويين مختلفي الشحنة الكهربية في داخل سحابة واحدة، أو بين سحابتين تحمل كل منهما شحنة كهربية مختلفة، أو بين السحب الركامية والأرض. ولنمو حبات البرد وانصهارها دور أساسي في شحن السحب الركامية بالكهرباء. ويصاحب هذه العملية انطلاق كميات من الأشعة فوق البنفسجية التي قد تصيب شبكية عين الإنسان بحروق شديدة فتسبب له العمى المؤقت أو الدائم، لذلك قال تعالى: (يكاد سناً برقه يذهب بالأبصار)، والضميرفي كلمة (برقه) هنا يعود على البرد، وعلاقة البرد بتكون البرق لم تعرف إلا في أواخرالقرن العشرين.
ويرافق البرق ظاهرة الرعد التي تحدث نتيجة للارتفاع الفجائي في كل من الضغط ودرجة الحرارة في الغازات المحيطة بخطوط البرق، مما يؤدي إلى تمددها بشكل هائل ومفاجئ، وإلى إندفاع الهواء بكميات كبيرة من المناطق المحيطة ليملأ مناطق التخلخل مما يتسبب في الموجات الصوتية الحادة التي نسمعها في العواصف الرعدية. وترتبط قوة صوت الرعد بشدة البرق، وبالمسافة التي تفصل الشخص السامع للصوت عن مصدر حدوث الرعد.
والبرق يدرك أولا لأن وهجه يتحرك بسرعة تتراوح بين بضعة عشرات ومئات الكيلومترات في الثانية الواحدة، وقد تصل إلى 250 كم \ ث للشعاع القائد، ومائة ألف كم \ ث للشعاع الراجع من الأرض، ويسمع الرعد بعد ذلك بفترة طويلة، لأن موجاته تتحرك بسرعة الصوت (حوالي 340 م \ ث). والفارق الزمني بين وقوع هذين الحدثين يمكن أن يستخدم في تحديد بعد المصدر الذي صدرا منه. و نظرا للسرعة الفائقة للشعاع الكهربائي الذي يعود صاعدا من الأرض إلى منطقة التأين في السحب الركامية، فإن إدراكه يستحيل إلا بواسطة أجهزة التصوير فائقة السرعة، وفي ذلك يقول رسول الله ﷺ: "ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين" (صحيح مسلم).
وهكذا ترتب هذه اآلأية الكريمة مراحل تكون السحاب الركامي خطوة خطوة، مشيرة إلى التدرج الزمني في تحقيق ذلك بدقة فائقة. ولذلك تستخدم حرف العطف (ُثم) الذى يدل على الترتيب مع التراخي للأحداث التي تستغرق وقتا طويلا في عملية تكون السحب الركامية، بينما تستخدم حرف الفاء (ف) الذي يدل على الترتيب والتعقيب للأحداث التي تتم على الفور، كما تشير إلى الإرتباط الوثيق بين تكون كل من البرد والبرق لآول مرة في تاريخ البشرية.
ثانيا: يقول ربنا تبارك وتعالى: *أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ* يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* (البقرة:20,19).
وهاتان الآيتان الكريمتان تؤكدان أثر البرق على نظر المتأمل فيه، وهي حقيقة لم تفهم أسبابها إلا مؤخرا، وذلك على النحو التالي:
1- (أو كصيّب من السماء فيه ظلمات و رعد وبرق): و(الصيب) هو المطر من (الصوب) وهو النزول، أي نزول المطر، وقد سمى المطربهذا التعبير لنزوله من السحاب إلى الأرض. والتشبيه في الآيتين ضرب مثلا للمنافقين، يصف حيرتهم في الدنيا، وشدة هذه الحيرة في الظلمات المحيطة بهم من كل جانب. والأمطار الشديدة يصاحبها عادة تكاثف للسحب، وحجبها لضوء الشمس مما يؤدي إلى تكون ظلمات تشبه ظلمة الليل. وعادة ما يصاحب ذلك بحدوث كل من البرق والرعد، لأن البرق يكون مصحوبا دائما بدرجات حرارة عالية تؤدي إلى التمدد الفجائي للهواء حول خيط البرق، واندفاع الهواء المحيط به ليملأ التخلخل الناشىء مما يؤدي إلى حدوث تلك الأصوات العنيفة التى تعرف باسم (الرعد).
2- (يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ...): ووهج أنوارالبرق يخطف الأبصار حتى لا تكاد العين أن ترى شيئا، و ذلك من آثاره على شبكية العينين فتحتاجان لبضعة دقائق حتى تتخلصان مما أصابهما من تغيرات فيزيائية وكيميائية، وانفعالات نفسية ثم تستعيدا الرؤية. ومن هذه التغيرات التأثير الكيميائي لوهج أنوار البرق على صبغ العين الأرجواني المعروف باسم (الروديسين) والذي يلعب دورا هاما في المطابقة الضوئية / الظلامية، مما يحدث فقدانا مؤقتا لعملية الإبصار للحظات معدودة. ولكن إذا طال تعرض الإنسان لأنوارالبرق فإن بصره قد يختطف بالكامل نتيجة لاحتراق البقعة الشبكية المركزية بسبب صعقة أنوار البرق الساطعة وما بها من أشعة تحت حمراء.
ثالثا: *هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ* وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ* (الرعد: 13,12).
وهاتان الآيتان الكريمتان تشيران إلى أن للبرق فوائد كثيرة، كما انه قد يكون عقابا من الله تعالى، و تؤكدان إرتباط تكون البرق بالسحب الركامية، لأن وصف (السحاب الثقال) هو وصف دقيق لتلك السحب لأنها هي أكثر أنواع السحب سمكا وكتلة، ويمكن تفصيل ذلك فيما يلى:
1- (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ):
من فوائد البرق المعروفة أنه يقوم بدور أساسي في تجديد طبقة الأوزون الواقية من الأشعة فوق البنفسجية. وذلك لأن البرق يعمل على رفع درجة حرارة الهواء في الأماكن القريبة من منطقة تشكله، حيث تصل درجة حرارة الضربة إلى ما يقارب 20000 درجة مئوية. وبهذه الدرجات العالية من الحرارة يعمل البرق على أكسدة جزء من نيتروجين الجو إلى عدد من أكاسيد هذا الغاز التى تذوب في ماء المطر مكونة حمض النيتروجين الذي ينزل بدوره على تربة الأرض متفاعلا مع أملاحها ليكون عددا من الأسمدة النافعة للزراعة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن صاعقة البرق والرعد إذا أصابت المنشئات فإنها تدمرها، وإذا أصابت الأحياء من الإنسان والحيوان والنبات فإنها تصعقهم وتقضي عليهم في الحال. وكذلك المطر الغزير وما قد يصاحبه من كل من البرد والثلج قد تكون له آثارا تدميرية كبيرة.
2- (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ...): وظاهرتا البرق والرعد هما صورة من صور تسبيح الكائنات غير المكلفة لله تعالى، و فهم الإنسان لشيئ من أسباب تكون هاتين الظاهرتين الكونيتين وأمثالهما لا يخرجها عن كونها جندا من جند الله يسخرها حيث يشاء، وفي الوقت الذي يشاء، وعلى من يشاء من خلقه، وهذا مما يؤكد قدرة جميع صور الخلق غير المكلف – ومنه كل من البرق والرعد – على طاعة أوامر الله تعالى وتسبيحه، وهو القائل:
*تسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً* (الإسراء:44).
و كان رسول الله ﷺ إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" ثم يضيف: "إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد".
رابعا: *وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* (الروم:24).
وهذه الآية الكريمة تؤكد أن البرق هو نعمة كبيرة من نعم الله، كما قد يكون نقمة من نقمه التي يعاقب بها من يشاء من عباده، وتشير إلى أن أغزر المطر هو الذي ينزل من السحب الركامية المزنية، وذلك على النحو التالي:
1- وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا...):
لا يتكون البرق إلا في السحب الكثيفة المثقلة الغنية ببخار الماء، والممتدة عاليًا كالجبال الشامخات والتي تسمى بأسم السحب الركامية. و يَصْحب ذلك ظواهر أخرى كالعواصف الرعدية. وإذا بلغ البرق سطح الأرض فإنه ينتخب الأجزاء المرتفعة لإفراغ شحنته الكهربائية فيها مدمرًا للجماد وصاعقًا لما يمر به من الأحياء.
ولم تكن أسباب البرق معروفة حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، حين أثبت كل من الأمريكي بنيامين فرانكلين وعدد من علماء المناخ الفرنسيين في سنة 1752 م-كل على حدة- أن البرق عبارة عن عملية تفريغ لشحنة كهربية مجهولة المصدر، حيث يمكنها توليد شرارة إذا اقتربت من سطح الأرض. وقد استخدم فرانكلين طائرة ورقية أطلقها أثناء عاصفة رعدية وربط فيها مفتاحاً معدنياً متصلاً بطرف قريب من سطح الأرض، فلاحظ تولد شرارة كهربية بين الطرف المعدني المتصل بالطائرة وبين الأرض. ثم أعاد غيره من العلماء التجربة مرات عديدة، وكان بعضها مأساويَا، ففي عام 1753 م قام الفيزيائي السويدي جورج رتشمان بتجربة مماثلة لكن الشحنة الكهربية صعقته في الحال. ثم تبعهم في هذا المجال عبقري بحوث الكهرباء نيقولا تسلا فى سنة 1890، 1899، إلا أن عملية شحن السحب الركامية بالكهرباء بقيت أمرا غامضا. ثم تبع هذه الحقبة جيوش من علماء مجالي الكهرباء والمناخ الذين لم يتمكنوا من إدراك العلاقة بين كل من البرق والبرد إلا في أواخر القرن الميلادي العشرين. ففي هذه الفترة الزمنية المتأخرة أدرك كل من علماء الكهرباء وعلماء المناخ أن الوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالشحنات الكهربية، وأن احتمال تلامس الشحنات الكهربائية المتعاكسة كبير، ولذلك فإن البرق الداخلي يمثل ثلاثة أرباع ضربات البرق، وحينئذ يرى المراقب من سطح الأرض توهجا خافتا تحجبه طبقات السحب الكثيفة. وقد يحدث التفريغ الكهربي في أعلى الغيمة فتتكشف عتمة السحب الكثيفة للناظر بهيئة ظلمات متباينة الإعتام تحجب وميض البرق.
ويأخذ البرق أشكالاً عديدة بسبب انتشار الشرارة في كتل هوائية متباينة الضغط ودرجة الرطوبة؛ فيظهر بهيئة خط متعرج أو شريط ذي خطوط شبه متوازية. وتتعدّد أنواع البرق تعددا كبيرا فمنها ما هو خرزي، وشريطي، ومتقطع، ومتفرّع، ومنها ما هو من السحابة للأرض، وما هو من الأرض للسحابة، وهناك البرق الحراري، والبرق الجاف، وكذلك البرق متوسط الشدة والصاروخي.
وإذا وصلت ضربة البرق إلى سطح الأرض فيعتمد خطرها على موضع تفريغ الشحنة، والأجسام المعدنية التي توضع فوق الأبنية العالية في المناطق التي تكثر فيها الصواعق و التي تسمى بموانع الصواعق لا تمنعها في الحقيقة؛ وإنما تقوم بتسريب الشحنة الكهربائية خلال موصلات معدنية نحو الأرض فتحرف مسارها وتدفع خطرها.
وتتكون السحب الركامية إبتداءا نتيجة سخونة سطح الأرض وتسخين الهواء الملامس لها مما يؤدي إلى تحرك الرياح من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض ثم إرتفاعها عالياً بهيئة دوامات حاملة لبخار الماء الذي يتكثف في المناطق العليا الباردة، ويكون تجمعات من سحب الركام قد يصل ارتفاعها إلى 18 كم فوق مستوى سطح البحر. ويوافق هذا التفسير كثرة العواصف الرعدية في المناطق الاستوائية. وتتميز سحب الركام بنزول المطر الغزير والبَرَدْ وحدوث البرق و الرعد (الصواعق)، وقد يبلغ قطر حبة البَرَدْ حوالي 10 -15 سم، ومع إزدياد حجمها تصبح أكثر تدميرًا نتيجة زيادة شدة الارتطام مما يسبب خسائر كبيرة لكل من المنشآت والمحاصيل، والحيوانات وحتى الإنسان.
ويعترف كل من علماء المناخ والهندسة الكهربائية بأن دراسة العوامل المحتملة التأثير في عملية تكون الشحنات الكهربية في السحب الركامية والتي تتسبب فى حدوث البرق عند بلوغ الحد الحرج لم تكتمل بعد، فقد تدخل في هذه العملية عدة عوامل مثل درجة التشبع ببخار الماء، واحتكاك قطرات الماء المتكثف بالهواء، وشدة الرياح. وربما يكون للرياح الشمسية المشحونة كهربيا تأثير ما، لكن يبقى تكون البرق مرتبطا أساسًا بتكون البَرَدْ في أعلى السحب الركامية. وذلك لأن البَرَدْ يتحرك دوريا داخل السحابة نحو الأعلى تحت تأثير تيارات الحمل الصاعدة من الهواء، ونحو الأسفل بزيادة وزنه نتيجة لاكتساب حباته مزيدًا من طبقات الجليد في المنطقة العليا، حيث تتدنى درجة الحرارة فتكسب حبات البَرَدْ خلال حركتها إلى أعلى السحب الركامية عددا من الإلكترونات السالبة، فيشحن أعلى السحابة بشحنة موجبة، وخلال حركته نحو الأسفل يشحن أسفل السحابة بشحنة سالبة.
وعندما تجتمع الظروف المناسبة وتنضج السحابة تسعى الشحنة الكهربية السالبة في قاعدة السحابة لشحن الجو الرطب دونها بشحنة سالبة، وتتوجه نحو الأرض يقودها ما يسمى باسم الشعاع القائد لضربة البرق. وينتقل البرق في خطوات متدرجة كل منها قد يبلغ عشرات الأمتار، وقد تبلغ سرعة الشعاع القائد 60 ألف متر \ثانية، وعلى بعد عشرات الأمتار من سطح الأرض تقابله الشحنة الموجبة صاعدة نحوه نتيجة التجاذب بين الشحنتين، وتمتد نحو السحابة خلال نفس المسار في الهواء الذي مهده الشعاع القائد بتأيين الهواء بالشحنة السالبة؛ ولذا تسمى بالضربة المرتجعة، وهي المسؤول الأساسي (حوالي 99%) عن تفريغ الشحنة الكهربية وتوليد الوميض الحاد أو وهج البرق.
ونتيجة للشحنة الكهربائية الهائلة التي تشق طريقها في الهواء، يسخن هذا الهواء فجأة في أجزاء قليلة من الثانية لتبلغ درجة حرارته حوالي 20 ألف إلى 30 ألف درجة مئوية؛ والتسخين الفجائي للهواء لدرجة الحرارة الهائلة تلك يولد موجة صدمية فوق صوتية تُسمع كأصوات عاتية مرعبة متتابعة بهيئة دمدمة وقعقعة تسمى باسم الرعد نتيجة لدوي الإنفجار الذي تصاحبه موجة تمدد الهواء فجأة والموجات الإرتدادية لذلك، وتردد هذه الموجات مع صدى الصوت المنعكس على سطح الأرض وعلى السحب في تلك المنطقة من الجو وما يجاورها من الغلاف الغازي للأرض. وذلك لأن لمح البرق ينتقل في الجو بسرعة كبيرة بينما تنتقل موجات الرعد بسرعة الصوت (حوالي 343 متر/ثانية عند مستوى سطح البحر). ويُمكن تقدير بُعد المصدر بمعرفة الفارق الزمني بين الحدثين. وقد يحدث البرق ولا يسمع الرعد لبعد المصدر، وقد يُسمع الرعد ولا يشاهد البرق لوقوعه داخل غيمة السحب.
ولضربات البرق أخطار لا يمكن تجاهلها لأنه يحدث حوالي 100 مرة كل ثانية، وفي اللحظة الواحدة تحدث حوالي 2000 عاصفة رعدية، وفي العام حوالي ستة ملايين عاصفة برقية، ويقوم البرق بتفريغ تيار يبلغ أكثر من مائة مليون فولت على الأقل في كل مرة وقد يصل إلى ألف مليون فولت، فأنت إذا أمام قوة رهيبة تدخل في صلب العمليات المقدرة لتوزيع المطر على سطح الأرض، وفي ذات الوقت قد تكون تلك القوة الرهيبة مصدرًا لدمار لا يدفعه أي احتياط.
و قد لا يتصور كثير من الناس أن ومضات البرق ودمدمة الرعد هي رسائل من الخالق سبحانه وتعالى إلى خلقه المكلف، لا يغيب مغزاها عن الفطن منهم حيث، تشهد بتقدير مُسبق وتدبير واحد لا تصنعه إلا مشيئة واحدة علية وقدرة إذا شاءت جعلت النعمة نقمة. وهي ظاهرة مُحَيِّرَة لم يعرف الإنسان تفسيرها إلا مؤخراً في عصر العلم، ومن العجب أن يكشف القرآن الكريم – وهو الكتاب الذي أنزل من قبل ألف واربعمائة سنة- عن عدد من أسرار هذه الظواهر الكونية، فقد أتت آياته موافقة للواقع كدليل على صدق النبوة الخاتمة.
وفي هذه الآية الكريمة تصريح بالتلازم بين البرق وسحاب الركام المُعَبَّر عنه بالسحاب الثقال، وهو تعبير وصفي دقيق يلتقي مع المعرفة الحديثة بأن السحاب الركامي ثقيل الوزن ترفعه تيارات الحمل من أسفل إلى أعلى وأنه هو أثقل أنواع السحب.
والبرق يلتقطه البصر كومضات خاطفة أو لمح، فهو إذن ظاهرة ضوئية مرئية ناسبها خصَّ البرق بتعبير (الرؤية) في قوله تعالى: (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ)، وقد يتحول البرق إلى صواعق تحرق أي شيء تَطَاله من معالم سطح الأرض، وتصعق الأحياء نتيجة لما تحتويه من الشحنات الكهربائية الهائلة.
بقلم الدكتور لزغلول النجار
تعليقات
إرسال تعليق