الإرادة في القرآن الكريم
جاءت مادة راد (رود) ومشتقاتها في القرآن الكريم (132) مرة بمعنى الإرادة، المشيئة، الأمر، القصد، المحبة، والطلب. فإذا نسبت إلى الذات الإلهية فهي المشيئة والأمر، وإذا نسبت إلى الخلق المكلف فهي القدرة على اتخاذ القرارت الصحيحة والتغلب على العقبات الداخلية والخارجية من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، وحجب النفس عن المبالغة في مرادها ورغائبها ومطالبها، والإقبال على أوامر الله تعالى والرضا بها. وفقهيا تعرف الإرادة بالقدرة على تنفيذ أوامر الله تعالى والرضا بها عن قصد وتوجه كاملين.أولا: أنواع الإرادة في القرآن:
أ- الإرادة الإلهية: وهي إرادة مطلقة في الخلق والتدبير والتشريع والتسخير، والحساب والجزاء، ولذلك تسمى أحيانا باسم المشيئة الإلهية وإن كانت لفظة المشيئة لم ترد في القرآن الكريم وإن وردت مشتقاتها، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى:- *إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ* (النحل: 40).
- *يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* (النساء: 26).
- *...إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ* (هود: 107).
- *إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ* (المائدة :1).
- *إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ* (يس: 82).
- *وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً* (الفرقان: 2).
- *أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً* (الفرقان: 45).
- *وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً* (الأحزاب: 38).
- *فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ* (الأنعام: 125).
- *أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَار* (النور: 43).
- *إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ* (الشورى: 33).
- *أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ* (الواقعة: 68-70).
ب- إرادة المكلفين (العقلاء) من خلق الله ومنهم الإنس والجن:
تعرف الإرادة في الإنسان بقدرته على التحكم في رغائبه وشهواته حتى لا يصبح عبدا لها فتقوده إلى الهاوية (الإرادة الداخلية)، كما تعرف بقدرته على مواجهة الصعوبات التي يصادفها في حياته بنجاح (مهما كانت خطورتها) وعدم الانكسار أمامها أو الانهيار بسببها (الإرادة الخارجية). وعلى ذلك فإن الإرادة بالنسبة للمكلفين هي تنفيذ لقرار ذاتي بناءً على معرفة وخبرة وتربية مسبقة، انطلاقا من الإيمان بحقيقة الابتلاء، وبأن الإنسان مخلوق مخير ذو إرادة حرة.
وبناءً على هذه الإرادة الحرة جاء التكليف من الله تعالى لاختبار هذا المخلوق المكلف في استخدام إرادته الحرة ليقيم الله تعالى الحجة على كل فرد من أفراد خلقه المكلف بعمله، حتى يميز الخبيث من الطيب، لأن الخبيث يستخدم إرادته الحرة في ميادين الشر (إرادة التدمير)، والطيب يستخدم هذه الإرادة في ميادين الخير (إرادة التعمير). وعلى الرغم من محدودية قدرات المخلوقين، وعلم الله تعالى بما سيكون من خلقه، إلا أن ذلك ليس ملزما لأي منهم فكل نفس بما كسبت رهينة، والله تعالى يريد أن يقيم الحجة على كل عبد من عباده بأعماله التي يختارها بإرادته الحرة، وعلم الله المسبق بذلك لا ينتقص من فضل المحسن ولا يبرر إساءة المسيء.
والقرآن الكريم يوضح ذلك بقول الحق تبارك وتعالى:
- *...وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ* (آل عمران: 145).
- *مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً آ مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً*كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً* (الإسراء: 18-20).
- *وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً* (الكهف: 30-29).
- *إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً* وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً* (الإنسان: 30-29).
- *مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* (هود: 15).
- *مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ* (الشورى: 20).
- *...إ ن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً* (النساء: 35).
وقال ﷺ: ” يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا الحفظة من ملائكته: "إن أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" (البخاري).
وقال ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (متفق عليه).
كذلك فإن لشياطين الإنس والجن إراداتهم المفسدة في الأرض والتي يجب إن يقاومها الصالحون من الخلق المكلف قدر استطاعتهم، حتى تستقيم الحياة على الأرض، وفي التحذير من نفثات هؤلاء الشياطين يقول ربنا تبارك وتعالى:
- *وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً* (النساء: 28-27).
- *أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً* (النساء: 60).
- *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ* (المائدة: 91).
- *وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً* (الإسراء: 16).
- *يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ* (الصف: ٨ ).
- *بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القِيَامَةِ* (القيامة: 6).
وبناءً على هذه الإرادة الحرة جاء التكليف من الله تعالى لاختبار هذا المخلوق المكلف في استخدام إرادته الحرة ليقيم الله تعالى الحجة على كل فرد من أفراد خلقه المكلف بعمله، حتى يميز الخبيث من الطيب، لأن الخبيث يستخدم إرادته الحرة في ميادين الشر (إرادة التدمير)، والطيب يستخدم هذه الإرادة في ميادين الخير (إرادة التعمير). وعلى الرغم من محدودية قدرات المخلوقين، وعلم الله تعالى بما سيكون من خلقه، إلا أن ذلك ليس ملزما لأي منهم فكل نفس بما كسبت رهينة، والله تعالى يريد أن يقيم الحجة على كل عبد من عباده بأعماله التي يختارها بإرادته الحرة، وعلم الله المسبق بذلك لا ينتقص من فضل المحسن ولا يبرر إساءة المسيء.
والقرآن الكريم يوضح ذلك بقول الحق تبارك وتعالى:
- *...وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ* (آل عمران: 145).
- *مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً آ مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً*كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً* (الإسراء: 18-20).
- *وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً* (الكهف: 30-29).
- *إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً* وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً* (الإنسان: 30-29).
- *مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* (هود: 15).
- *مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ* (الشورى: 20).
- *...إ ن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً* (النساء: 35).
وقال ﷺ: ” يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا الحفظة من ملائكته: "إن أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" (البخاري).
وقال ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (متفق عليه).
كذلك فإن لشياطين الإنس والجن إراداتهم المفسدة في الأرض والتي يجب إن يقاومها الصالحون من الخلق المكلف قدر استطاعتهم، حتى تستقيم الحياة على الأرض، وفي التحذير من نفثات هؤلاء الشياطين يقول ربنا تبارك وتعالى:
- *وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً* (النساء: 28-27).
- *أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً* (النساء: 60).
- *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ* (المائدة: 91).
- *وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً* (الإسراء: 16).
- *يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ* (الصف: ٨ ).
- *بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القِيَامَةِ* (القيامة: 6).
ج– وتبقى إرادة الله غالبة :
فالإنسان يتحرك في هذه الحياة الدنيا في دائرتين من دوائر الإرادة، اولهما إرادته هو التي سيحاسب عليها، وثانيتهما هي إرادة الله الغالبة والتي لا يحاسب عليها، وعلى ذلك فالإنسان مسير بإرادة الله ومخير بإرادته هو. وفي ذلك يقول الله تعالى:*وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ* (التكوير: 29).
وكلما قويت علاقة العبد بربه كلما قويت إرادته. وعلى ذلك فإن الإرادة الحرة للإنسان هي نعمة من نعم الله تعالى عليه وإن كانت في نفس الوقت مسئولية كبيرة أمام الله، فسعادة الفرد من بني آدم في الدنيا والآخرة منوطة بإرادته.
ومن إرادة الله "الابتلاءات" التي قد يصيب بها بعض عباده المكلفين، ومن أهدافها تقوية الإرادة في العبد المبتلى، وتذكيره بحاجته إلى ربه. والأصل في المسلم ألا يطلب البلاء، ولكن إذا نزل به فإنه لا يملك حياله إلا الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره. ومن فوائد الابتلاء تحقيق العبودية لله رب العالمين، فإن كثيراً من الناس هم عبيدٌ لأهوائهم، وأن أعلنوا عبوديتهم لله، وفي ذلك يقول الله تعالى:
*وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ* (الحج: 11).
وفي الابتلاء إعداد للمؤمنين من أجل التمكين في الأرض، وفيه أيضا كفارة للذنوب لقول النبي ﷺ: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" (الترمذي).
وقَولَه ﷺ: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (الترمذي).
ويقولَ ﷺ: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً".
العوامل المؤثرة في تقوية الإرادة الإنسانية:
1-الإيمان الصادق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.وفي ذلك يقول الله تعالى: *وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ* (الذاريات: 56-58).
ويقول: *وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* (آل عمران: 101).
- *يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* (المائدة: 16).
- *... قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ* (الرعد: 27).
ويقول الرسول ﷺ: ”من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين“ (متفق عليه).
وعلى النقيض من ذلك فإن العبد إذا ضعف إيمانه بالله فإنه يحرم من الهداية الربانية، وإذا حرم منها انهارت إرادته فخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. يقول ربنا تبارك وتعالى: *مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ* (الأحزاب: 23).
لذا كان السبيل الأول لتكوين الإرادة هو تقوية عناصر الإيمان بالله، ومعايشة هذا الإيمان حتى يكون حقيقة تنطلق من المعرفة إلى السلوك الذي يجسد وصية رسول الله ﷺ التي يقول فيها: ”ألإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
ولا شك أن التدريب العملي في مقاومة أهواء النفس ومخالفتها، وإلزامها طاعة الله لزوم الحق، كل ذلك يساعد على تقوية الإرادة، فالأجر على قدر المشقة، ومن يطالع دواوين السنة يرى الكم الكبير من الآثار التي تقوي إرادة المسلم، فالعبادات اليومية، وتقوية ذلك بنظام وانتظام يقوي الإرادة، ولا تخفى علينا كذلك آثار ذكر الله تعالى، فهو مدد روحي ينير القلب والعقل ويمد صاحب الإرادة الخيرة بما يثبته إذا أحاطت به الشدائد، فالله تعالى يوصي جنوده بقوله: *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* (الأنفال: 45).
2- الحرص على كسب العلم النافع:
فكلما زاد علم الإنسان القائم على أساس من الإيمان بالله قويت إرادته، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: - *يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ* (البقرة: 269).
- *شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ* (آل عمران: 18).
- *...وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً* (النساء: 113).
- *...وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً* (طه: 114).
- *قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ* (الزمر: 9).
- *...يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ...* (المجادلة: 11).
- ويقول الرسول ﷺ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ..." (مسلم).
3- العمل الصالح:
وفي مقدمته الالتزام بالعبادات المفروضة، وأولها الصلاة والصوم، لأن الصلاة تذكر العبد بمعية الله وهي من أهم وسائل تقوية الإرادة في الإنسان، وكذلك الصوم الذي يعتبر وسيلة رائدة في تقوية إرادته. فقد أثبتت دراسات علم النفس عند غير المسلمين ضرورة أن يتدرب الإنسان (ولو لفترات محددة) على حرمان نفسه طواعية واختيارا من العديد من رغائبها وشهواتها كأسلوب من أساليب تهذيب هذه النفس وتربيتها على تقوية إرادتها، وضبط سلوكها أمام العديد من الشهوات والغرائز والانفعالات التي يتعرض لها الإنسان في هذه الحياة. وكلما زادت قدرة الإنسان في ذلك كلما ارتقى في سلم الإنسانية إلى مقامات متسامية في السلوك، والفهم، والحكم على الأشياء. وعلى النقيض من ذلك فإن الإفراط في إشباع الشهوات، وفي تكديس الاختيارات يؤدي بالإنسان إلى حالة من عدم القناعة تنتهي به إلى الاكتئاب، والشعور بالتعاسة، والإحباط المفضيان إلى العديد من الأمراض النفسية، لأن غالبية الناس لا يعرفون وسيلة لضبط شهواتهم، وللتقليل من نهم رغائبهم، وشره أطماعهم في هذه الحياة الدنيا (باري شفارتز 2004). وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: *مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً* (الإسراء: 19).
ويقول الرسول ﷺ: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قليه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له“ (الترمذي).
ومن العمل الصالح الالتزامآ بتقوى الله والاستقامة على منهجه والتقرب إليه بالطاعات، وفي ذلك يقول الله تعالى: *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ* (الأنفال: 29).
ويقول رسول الله ﷺ: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن“ (رواه أحمد).
وقال ﷺ: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه“ (رواه أحمد).
وقال ﷺ: "اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا إذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم“ (الترمذي).
وقال ﷺ: "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن“ (رواه أحمد).
وفي ذلك يروى عن سفيان الثقفي قوله: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" (صحيح مسلم).
ومن العمل الصالح حسن استشعار أمانة المسئولية أمام الله وأمام الناس، وإتقان العمل، والإحسان إلى الخلق قدر الاستطاعة، وهذه كلها من محصلات الإيمان الصادق والعلم النافع، ولا يتم تحقيقها إلا بالإرادة القوية.
4 - علو الهمة والالتزام بمكارم الأخلاق:
والهمة في مدلولها تعني توجه القلب وقصده، وأصحاب الهمم العالية هم الذين يسلكون سبيل الحق. والهمة هي الباعث الحقيقي على الفعل، ويعرف علو الهمة بخروج النفس إلى غاية كمالها في العلم النافع والعمل الصالح. وفي ذلك يقول رسول الله ﷺ: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرفها، ويكره سفسافها“ (الطبراني). وهمة المرء ابلغ من عمله، وفي ذلك يقول الرسول ﷺ: "من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه“ (مسلم).
وقال ﷺ: "تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة" (البخاري).
والنظرية الأخلاقية في الإسلام لها عمد من الفهم والالتزام والشعور بالمسئولية والإيمان بحتمية الجزاء والبينة والجهد والإرادة القوية، وإطارها حد أدنى من الأخلاق الفاضلة التي تفرض على الإنسان العادي، وما زاد عن ذلك فهو كمال بشري يحث عليه القرآن الكريم ويدعو إليه. ولا يمكن للإنسان أن يكون صاحب إرادة دون التزام أخلاقي، كما لا يكمن له أن يلتزم أخلاقيا دون إرادة قوية، ولذلك فإن الإسلام يؤكد على أن الحاسة الأخلاقية هي انبعاث فطري داخلي في الإنسان الذي فطره الله تعالى على حب مكارم الأخلاق، وكذلك الإرادة القوية.
5- الالتزام بالصحبة الصالحة، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: *وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً* (الكهف: 28).
ويقول الرسول ﷺ: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" (أبو داود).
وقال عمر بن الخطاب: "ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرًا من أخٍ صالح، فإذا رأى أحدكم ودًّا من أخيه فليتمسك به".
فإن درجة إرادتك بل درجة إيمانك ودينك على درجة من تصحبه، قال رسول الله ﷺ: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" (سنن أبي داود).
6- الظروف البيئية والاجتماعية والصحية: والتي تتوافر فيها الحريات وتتطبق فيها العدالة الاجتماعية على كافة أفراد المجتمع أو لا تتوافر، وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن ينمي إرادته الشخصية في ظل الاستبداد السياسي والقهر الإداري وغياب العدالة الاجتماعية. وذلك يكتسبه الإنسان بتطبيق مختلف هذه المبادئ والقيم منذ نعومة الأظفار. ويشمل التلقين والمحاكاة، اتباع القدوة، التعليم، الممارسة والتعود حتى تتأصل هذه القيم في نفسه. فقدرة الفرد على تقوية إرادته هي حصيلة تفاعله مع البيئة التي يحيا فيها، وكنتيجة لعدد من الصفات الوراثية والشخصية والمؤثرات الاجتماعية والسياسية والحضارية، فهذه العوامل مجتمعة تلعب دورًا أساسيًّا فى تحديد إرادة الفرد سلبا أو إيجابا.
7 - الظروف التربوية في كل من البيت والمعاهد التعليمية: ويشمل ذلك الاهتمام بالتربية قبل المدرسة من حسن اختيار كل من الوالدين وحسن اختيار اسم الوليد وحق الطفل في حضانة أمه له حتى يكبر، ورعاية المجتمع لكل من الأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة والمبادرة بالتربية السليمة في سن مبكرة، وتعويد الناشئة على حسن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وعلى التفكير الإبداعي بصفة عامة. فالإرادة الإنسانية هي أحدى الاستعدادات الفطرية التي يجب أن تُنمّى في الطفل منذ بدايات إدراكه... وذلك لأن الإرادة هي قوة داخلية في الإنسان تنمى بالتدريج، مع شيئ من المثابرة والصبر. والإنسان يستطيع مواجهة كل من رغباته الداخلية، ومشاكله الخارجية إذا قويت إرادته، وعلى العكس من ذلك فإنه سرعان ما ينهار أمام المشاكل الخارجية أو يدمر ذاته بالاندفاع وراء شهواته الداخلية إذا ضعفت إرادته.
ويقول الرسول ﷺ: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قليه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له“ (الترمذي).
ومن العمل الصالح الالتزامآ بتقوى الله والاستقامة على منهجه والتقرب إليه بالطاعات، وفي ذلك يقول الله تعالى: *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ* (الأنفال: 29).
ويقول رسول الله ﷺ: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن“ (رواه أحمد).
وقال ﷺ: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه“ (رواه أحمد).
وقال ﷺ: "اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا إذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم“ (الترمذي).
وقال ﷺ: "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن“ (رواه أحمد).
وفي ذلك يروى عن سفيان الثقفي قوله: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" (صحيح مسلم).
ومن العمل الصالح حسن استشعار أمانة المسئولية أمام الله وأمام الناس، وإتقان العمل، والإحسان إلى الخلق قدر الاستطاعة، وهذه كلها من محصلات الإيمان الصادق والعلم النافع، ولا يتم تحقيقها إلا بالإرادة القوية.
4 - علو الهمة والالتزام بمكارم الأخلاق:
والهمة في مدلولها تعني توجه القلب وقصده، وأصحاب الهمم العالية هم الذين يسلكون سبيل الحق. والهمة هي الباعث الحقيقي على الفعل، ويعرف علو الهمة بخروج النفس إلى غاية كمالها في العلم النافع والعمل الصالح. وفي ذلك يقول رسول الله ﷺ: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرفها، ويكره سفسافها“ (الطبراني). وهمة المرء ابلغ من عمله، وفي ذلك يقول الرسول ﷺ: "من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه“ (مسلم). وقال ﷺ: "تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة" (البخاري).
والنظرية الأخلاقية في الإسلام لها عمد من الفهم والالتزام والشعور بالمسئولية والإيمان بحتمية الجزاء والبينة والجهد والإرادة القوية، وإطارها حد أدنى من الأخلاق الفاضلة التي تفرض على الإنسان العادي، وما زاد عن ذلك فهو كمال بشري يحث عليه القرآن الكريم ويدعو إليه. ولا يمكن للإنسان أن يكون صاحب إرادة دون التزام أخلاقي، كما لا يكمن له أن يلتزم أخلاقيا دون إرادة قوية، ولذلك فإن الإسلام يؤكد على أن الحاسة الأخلاقية هي انبعاث فطري داخلي في الإنسان الذي فطره الله تعالى على حب مكارم الأخلاق، وكذلك الإرادة القوية.
5- الالتزام بالصحبة الصالحة، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: *وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً* (الكهف: 28).
ويقول الرسول ﷺ: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" (أبو داود).
وقال عمر بن الخطاب: "ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرًا من أخٍ صالح، فإذا رأى أحدكم ودًّا من أخيه فليتمسك به".
فإن درجة إرادتك بل درجة إيمانك ودينك على درجة من تصحبه، قال رسول الله ﷺ: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" (سنن أبي داود).
6- الظروف البيئية والاجتماعية والصحية: والتي تتوافر فيها الحريات وتتطبق فيها العدالة الاجتماعية على كافة أفراد المجتمع أو لا تتوافر، وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن ينمي إرادته الشخصية في ظل الاستبداد السياسي والقهر الإداري وغياب العدالة الاجتماعية. وذلك يكتسبه الإنسان بتطبيق مختلف هذه المبادئ والقيم منذ نعومة الأظفار. ويشمل التلقين والمحاكاة، اتباع القدوة، التعليم، الممارسة والتعود حتى تتأصل هذه القيم في نفسه. فقدرة الفرد على تقوية إرادته هي حصيلة تفاعله مع البيئة التي يحيا فيها، وكنتيجة لعدد من الصفات الوراثية والشخصية والمؤثرات الاجتماعية والسياسية والحضارية، فهذه العوامل مجتمعة تلعب دورًا أساسيًّا فى تحديد إرادة الفرد سلبا أو إيجابا.
7 - الظروف التربوية في كل من البيت والمعاهد التعليمية: ويشمل ذلك الاهتمام بالتربية قبل المدرسة من حسن اختيار كل من الوالدين وحسن اختيار اسم الوليد وحق الطفل في حضانة أمه له حتى يكبر، ورعاية المجتمع لكل من الأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة والمبادرة بالتربية السليمة في سن مبكرة، وتعويد الناشئة على حسن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وعلى التفكير الإبداعي بصفة عامة. فالإرادة الإنسانية هي أحدى الاستعدادات الفطرية التي يجب أن تُنمّى في الطفل منذ بدايات إدراكه... وذلك لأن الإرادة هي قوة داخلية في الإنسان تنمى بالتدريج، مع شيئ من المثابرة والصبر. والإنسان يستطيع مواجهة كل من رغباته الداخلية، ومشاكله الخارجية إذا قويت إرادته، وعلى العكس من ذلك فإنه سرعان ما ينهار أمام المشاكل الخارجية أو يدمر ذاته بالاندفاع وراء شهواته الداخلية إذا ضعفت إرادته.
بقلم الدكتور زغلول النجار
تعليقات
إرسال تعليق