القائمة الرئيسية

مقالات دينية,جولة نسائية,جولة قرآنية,قصص دينية,جولة أطفال

قال تعالى: *اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَ


حقيقة هذه الآية الكريمة  قال تعالى: *اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ


 حقيقة هذه الآية الكريمة  قال تعالى: *اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ 


قال تعالى: *اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ* (الرعد: ٢).
والحقيقة أن هذه الآية الكريمة  تستشهد على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في خلق السماوات الشاسعة الاتساع بغير عمد مرئية. والنص الكريم لا يستبعد وجود عمد غير مرئية، وهو ما أثبته العلم مؤخرا، ومن هذه العمد غير المرئية موجات الجاذبية، والقوى الطاردة المركزية، ومفهوم الأوتار الفائقة التى لم يتوصل الإنسان إلى إدراك شىء منها إلا منذ أقل من قرنين من الزمان، ولا يزال مستمرا فى بحثه عن تلك العمد.
والآيات القرآنية العديدة تشير إلى مركزية الأرض من السماوات السبع، وإلى أن هناك قُوى تمسك بالسمارت السبع وتحفظها من السقوط على الأرض. وهذه السماوات السبع ذات كتلة فائقة، وليست فراغاً. والعمد غير المرئية التي أشارت إليها هذه الآية الكريمة هي خطوط كل من الجاذبية والقوى الطاردة المركزية التي تعمل على توازن الأنظمة المتحركة بسرعات كبيرة حتى تصل إلى تساوي هاتين القوتين المتضادتين. وفي ذلك قال نيوتن سنة (١٦٨٧ م): "إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس، وهي تشُد أو تجذب مادة أخرى دون رباط ظاهر بينهما".
وفي ذلك يقول المصطفى ﷺ: "ما السماوات السبع، وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة مُلقاة بأرض فلاة، والكرسي في العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة" (ابن حبان: ٣٦١؛ البيهقي: ٢٩٠).  والآيات القرآنية الكريمة، وكذلك النتائج الكلية لعلوم الفلك والفيزياء الفلكية تشير إلى ضخامة السماء الدنيا حجماً وعدداً في أجرامها. فأبعد ما تمكن الإنسان من رؤيته من نجوم السماء الدنيا "النجم إيكاريوس Icarus" يبعد عن الأرض مسافة تقدر ب ٩ بلايين من السنين الضوئية، وطول السنة الضوئية يقدر ب ٩٫٥ ترليون كم. ومجرتنا (سكة التبانة أو درب اللبانة) هي مجرة حلزونية يقدر قطرها ب ١٠٠ ألف سنة ضوئية، وسمكها بعشر ذلك، وبها ما بين مئة مليار إلى أربعمئة مليار نجم كشمسنا. كما أن مصير السماوات السبع والأرض هو الفناء دفعة واحدة، ثم خلق أرض غير أرضنا هذه، وسماوات غير السماوات المحيطة بنا حالياً.
ومعنى الآية الكريمة أن الله تعالى رفع السماوات بعمدٍ لا يراها الإنسان، وهي حقيقة علمية صحيحة، فالإنسان لا يرى خطوط الجاذبية، ولا القوى الطاردة المركزية، وإن استطاع قياس كل منها.
وتستمر الآية الكريمة في إثبات أن الله تعالى استوى على العرش (استواءً يليق بجلاله)، *… وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى…*، وتسخير الشمس والقمر من أعظم الدلالات على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الكون، كذلك فإن الإشارة إلى حقيقة أن هذين الجرمين السماويين (الشمس والقمر) لابد وأن لهما نهاية حتمية. ومن معجزات القرآن الكريم الإشارة إلى هذه الحقيقة لأن كل الدراسات العلمية قد أشارت مؤخراً إلى حتمية فنائهما، فالعلم يُثبت اليوم أن القمر يبتعد عن الأرض بمعدل ٣ سم في السنة، ومعنى ذلك أنه يبتعد عن جاذبية الأرض و يتحرك في اتجاه الشمس، و ذلك سيؤدي حتماً إلى ابتلاع الشمس للقمر، وسبق القرآن الكريم بالإشارة إلى حتمية وقوع ذلك، وذلك بقول ربنا تبارك وتعالى: *وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ* (القيامة: ٩)، كذلك فإن الشمس تفقد من كتلتها في كل ثانية (على هيئة طاقة) ما يساوي ٤.٦ مليون طناً من المادة، معنى ذلك أن الشمس وغيرها من النجوم لها أجل محدد لابد وأن ينتهي وجودها عنده.
وتُختم الآية الكريمة بقول ربنا تبارك وتعالى: *… يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ*، وهذه الخاتمة للآية الكريمة تشير إلى حتمية البعث بعد الموت، والعرض الأكبر أمام الله سبحانه وتعالى، للحساب والجزاء ثم الخلود في الحياة القادمة، وهي من القضايا التي تجرأ غالبية الناس على إنكارها، لأنهم يقيسون قدرة الله التي لا نهاية لها بقدرات الإنسان المحدودة للغاية.
قال تعالى: *وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* (الرعد: ٣).
لفظة الأرض في هذه الآية الكريمة يُقصد بها "قشرة الأرض"، "ومدها" يشير إلى تكونها بواسطة الثورات البركانية العديدة في تاريخ الأرض الطويل، لذلك قال تعالى: *وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ…*، وفي قوله تعالى: *…وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارً…* إشارة إلى عملية خلق الجبال، وهي عملية تالية لخلق الأرض، فبعد تكون اليابسة على هيئة قارة واحدة عملاقة يسميها العلماء باسم "القارة الأم أو أم القارات"، شاءت إرادته تعالى أن يُمزق هذه القشرة الأرضية إلى القارات السبع الحالية، وبدأت هذه القارات تتباعد عن بعضها البعض لتكون قيعان المحيطات والبحار، وعند اصطدامها ببعضها البعض تكونت السلاسل الجبلية التي جعل ربنا تبارك وتعالى منها رواسيَ للقارات، لأنها تقلل من سرعة زحف هذه القارات حتى تكون صالحة للعمران.
وذكر الأنهار بعد الإشارة إلى رواسي الأرض أمر معجز كذلك، لأنه لولا اصطدام السحب المحملة ببخار الماء بالكتل الجبلية، ولولا الفارق في مستوى ارتفاع تلك الكتل فوق مستوى سطح البحر ما جرت الأنهار. ثم ذكرت الآية الكريمة كل الثمرات التي تحتاج في إنباتها إلى الماء، وخلق الثمرات في زوجية واضحة من أجل استمرار وجودها إلى أن يشاء الله فيه أكثر من لمحة علمية معجزة، كما أن فيه إشارة إلى خلق كل ما أوجد الله في زوجية كاملة حتى يبقى ربنا سبحانه وتعالى مُتفرداً بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه. وختمت الآية الكريمة بالإشارة إلى تبادل الليل والنهار بدقة فائقة، وذلك لأن جميع الأحياء على سطح الأرض لا يمكنها العيش في ليل دائم أو في نهار دائم، وتبادل الليل والنهار هو من صور الزوجية التي أودعها الله تعالى في جميع خلقه، كما أن فيه إشارة أيضاً إلى الدقة الفائقة في حركات كل من الأرض والقمر والشمس، لذلك ختمت الآية الكريمة بقوله تعالى: *…إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ*.

قال تعالى: *وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* (الرعد: ٤).
تتكون صخور القشرة الأرضية من ثلاثة أنواع رئيسية من الصخور: الصخور النارية، الرسوبية والمتحولة. وعندما تفتت القارة الأم إلى القارات السبع الحالية حملت كل قارة من تلك القارات نصيبها من هذه الأنواع الثلاثة من الصخور التي أصبحت قطعاً متجاورة، وبتعرض تلك القطع الصخرية إلى عوامل التعرية (من الأمطار والرياح، وتبادل درجات الحرارة بين الليل والنهار وبين الفصول) فتكون فوقها أنواع من الرسوبيات المتباينة في صفاتها الفيزيائية والكيمائية (قطاع التربة)، وهذه هي التي وصفتها الآية الكريمة باسم "قطع متجاورات"، ومع التباين في التركيب الكيميائي والمعدني لصخور الأرض وما يعلوها من قطاعات التربة المتباينة في صفاتها الطبيعية والكيميائية، هيأ ربنا تبارك وتعالى كل نوع من أنواع صخور الأرض، وما يعلوها من قطاعات التربة لحمل نباتات مُتباينة في ثمارها حجماً وشكلاً ولوناً ورائحةً وطعماً. وهذا التنوع هو نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان، سواء أدركها أو لم يدركها، لذلك جاء قول ربنا تبارك وتعالى: *وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ*. وذكر في هذه الآية من ثمار الأرض كلاً من الأعناب، والزروع والنخيل، إشارة إلى ما تحمله ثمار تلك الزروع والأشجار من قيمة غذائية وصحية كبيرة، كذلك ركزت الآية الكريمة على تباين كل من الأعناب والزروع والنخيل في القيمة الغذائية لكل منها،سواء كانت من أصل واحد أو من أصول مختلفة (صِنوان وغير صِنوان) بمعنى من أصل واحد أو من أصول متعددة.
وتؤكد هذه الآية الكريمة على هذه النعم العديدة التي أنعم الله تعالى بها على أهل الأرض فقال: *… يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ…*، وختمت الآية الكريمة بقوله تعالى: *… إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* لأن ما جاء في هذه الآية الكريمة تذكير للإنسان بالقدرة الإلهية التي وهبها الله تعالى لكل نوع من أنواع النبات على اختيار ما يناسبه من عناصر ومركبات الأرض، فتتباين ثمارها وهي من نعم الله تعالى على خلقه تستحق النظر والشكر والاعتبار من أصحاب العقول السوية.
قال تعالى: *وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* (الرعد: ٥).
هذه الآية الكريمة تتجه بالخطاب إلى رسول الله ﷺ قائلة له: *وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ…*، فبعد ما عرضت الآيات الأربع الأولى من سورة الرعد لعدد كبير من الأدلة الشاهدة على طلاقة القدرة الإلهية المُبدعة في الخلق، فإن غالبية أهل الأرض ينكرون حتمية البعث بعد الموت، والأدلة المنطقية العديدة والشواهد العلمية التي تثبت أن في بدن الإنسان عظمة لا تفنى أبداً، وأن هذه العظمة هي الأصل الذي جاءت منه كل أجهزة وأعضاء الجسم (وهي عجب الذنب) يشير إلى كل ذي بصيرة بحتمية البعث، بل بضرورته، فكثير من المذنبين يفرون بجرائمهم دون حساب أو عقاب والعدل الإلهي يقتضي حتمية حسابهم وعقابهم، كذلك كثير من الصالحين لا يأخذون شيئاً من حقهم في هذه الحياة الدنيا، ومن العدل الإلهي أن تتاح أمامه الفرصة لأخذ أجرهم على الإحسان في الحياة الدنيا، لذلك أشارت الآية الكريمة في ختامها إلى كفر من يُنكر البعث بعد الموت، وإلى شئٍ من عقابهم في الآخرة.
قال تعالى: *هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ* (الرعد: ١٢).
البرق عملية تفريغ كهربي بين سحابتين مختلفتي الشحنة أو بين جزئين من سحابة واحدة كل منهما مشحون بشحنة كهربية مختلفة، والبرق يصعق الأحياء كما يحرق المنشآت، كما يلعب دوراً أساسياً في تجديد طبقة الأوزون الواقية لأهل الأرض من الأشعة فوق البنفسجية -التي تحلل هذه الطبقة-  فيعيد البرق طبقة الأوزون إلى سمكها الطبيعي. كذلك فإن البوق يؤكسد جزءاً من نيتروجين الجو إلى أكسيد النيتروجين الذي يذوب في ماء المطر مكوناً حمض النيتريك الذي ينزل إلى التربة فيتفاعل مع عدد من مكوناتها منتجاً الأسمدة النيتروجينية المسؤولة عن تكوين البروتين النباتي، لذلك ذكرت الآية الكريمة قوله تعالى: *هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا…*، والله تعالى يرينا هذه الظاهرة خوفاً مما لها من مخاطر، وطمعاً فيما تجلبه من منافع، ومن المعجزات العلمية في هذه الآية الكريمة قوله تعالى: *…وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ*، وتعبير السحاب الثقال يشير إلى السحب الركامية، وهي التي تُصاحب بكل من الرعد والبرقوالبرَد والثلج، ووصف السحاب بتعبير الثّقال هو تمييز لها عن السحب الخفيفة والتي توصف بتعبير "السحب الجِهامية"، والسحب الركامية قد تزن الواحدة منها أكثر من ٥٠٠ طن، وهي تتشكل في المستويات العليا من الغلاف الغازي للأرض وتأخذ أشكالاً تضاريسية تشبه أشكال سطح الأرض من القمم السامقة، والسفوح الهابطة والأودية الفاصلة. وربط الآية الكريمة تكون البرق في السحب الركامية هو من المعجزات العلمية فيها لأن كلاً من البرق والرعد لا يحدثان إلا في هذه السحب.
وأُتبعت هذه الآية الكريمة بإشارة إلى الرعد، وهو ظاهرة مُتممة لعملية البرق وتنتُج عن تمدد في الغلاف الغازي للأرض نتيجة لدرجات الحرارة الفائقة والتي تنتج عن عملية البرق، وتسبيح الرعد بحمد الله تعالى هو تأكيد على عبودية كافة المخلوقات (المكلف منها و غير المكلف) لرب العالمين، وفي ذلك توبيخ للعاصين من الخلق المكلف، وإشعار لهم بعدم شكرهم لنعم الله تعالى الكثير عليهم، والتي تُقابل بكثير من الجحود والنكران من غالبية أهل الأرض.

قال تعالى: *وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩* (الرعد: ١٥).
هذه الآية الكريمة تؤكد على حقيقة يغفل عنها غالبية أهل الأرض و مؤداها أن جميع خلق الله في الآرض و في السماوات يسجد لهذا الخالق العظيم طوعاً (أي بإرادته طلباً لمرضاة الله)، وكرهاً (أي رغم أنفه) لأن جميع ذرات جسده تمجد خالقها وتسبح بحمده في عبادة فطرية يجهلها كثير من الناس، لذلك جاءت الإشارة هنا ب "من" وهي إشارة للعقلاء لأن قبول الأوامر، وامتثال الطاعات يتم من العقلاء بالقصد والاختيار، أما من الخلق غير المكلف فالعبادات تتم بطريقة فطرية، ولذلك جاءت هذه الإشارة في سورة النحل بحرف الإشارة "ما" لتشمل كلاً من المكلفين وغير المكلفين.
والإشارة إلى سجود الظلال تؤكد على هذه الحقيقة، فالظلال تتكون نتيجة لاعتراض الأجسام المعتمة للضوء المرئي الساقط عليها، كما يحدث عند تعرضها لضوء الشمس، والظلال لها حركة مرتبطة بزاوية سقوط ضوء الشمس عليها، فعندما تشرق الشمس في الصباح من جهة الشرق فإن ظلال الأجسام المعتمة تتكون في عكس هذا الاتجاه (أي في الغرب)، ثم تتحرك الظلال بالتدريج في اتجاه الجنوب ثم الغرب، ثم الشمال الغربي مع حركة ضوء الشمس حتى الزوال. ومع تحرك ضوء الشمس من الشرق إلى الجنوب ثم إلى الغرب فإن ظلال الأجسام المعتمة تتحرك من الشمال الغربي بالتدريج إلى الشرق، وتختفي تماماً مع غياب ضوء الشمس. وظلال الأجسام المعتمة تكون أطول ما تكون في كل من لحظتي الشروق والغروب، وتكون أقصر ما تكون في وقت الزوال، وتختفي تماماً بدخول ظلمة الليل، وهي ما يعبر عنه القرآن الكريم بتعبير "قبض الظل". وتعتبر هذه الحركات للظل ضرباً من السجود لله تعالى لا يُدركه إلا العابدون الفاقهون، أما غير هؤلاء فيعتبرون حركة الظلال هومجرد ميلها من جانب إلى آخر، ولا يرون فيها غير ذلك، أما الفاقهون لحقيقة رسالة الإنسان في الحياة يدركون أن في سجود الظلال من الاستسلام والانصياع لأوامر الله تعالى والتحرك حسب القوانين التي أودعها في الأشياء ما لا يدركه الآخرون.
قال تعالى: *أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ* (الرعد: ١٧).
هذه الآية الكريمة تشبه الحق بما يمكث في الأرض مما ينتفع به الناس في الحالين: حال السيول الجارية في الأودية بما تحمله من ماء، ومن مختلف الثروات الأرضية من نفيس المعادن التي تترسب بالتدريج حسب اختلاف كتل وكثافات كل منها وذلك على طول قاع الوادي الذي يندفع فيه السيل. والحال الثاني هو حالة صهر خامات الفلزات النفيسة، حيث تطفو الشوائب على سطح الصهير لتنفصل عنه وتترك نفائس المعادن تحته.،والآية الكريمة تشبه الحق - في صفائه ونقائه وقيمته - بتلك الفلزات النفيسة التي تترسب على قيعان الأودية الجافة التي يسيل فيها الماء، أو تشبهه بتلك النفائس التي تمت تصفيتها بصهرها حتى تنفصل عنها شوائبها. 
وفي المقابل تشبه الآية الكريمة الباطل بالزبد الذي يطفو فوق أسطح السيول المتدفقة بالماء في الأودية الضيقة والواسعة على حد سواء، أو بما يشبهه من الزبد الذي يطفو فوق أسطح المعادن الفلزية النفيسة والنافعة حينما تُصهر مع بعض المواد الكيميائية من أجل تنقيتها من الشوائب المُختلِطة بها أو العالقة فيها، وفي الحالتين يتضح ان كلاً من الزبد الذي يحمله السيل "غثاء السيل"، والزبد الذي يطفو فوق أسطح الفلزات المصهورة "خَبَث الفلزات" لا قيمة له، ولا فائدة منه، فكلاهما نهايته النبذ والإلقاء، وكذلك الباطل. وفي المقابل يشبه هذا المثل القرآني الحق بما يمكث في الأرض مما ينتفع به الناس في الحالتين، ومن ملامح الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة قوله تعالى: *…فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا…*، وهذا التعبير القرآني يشير إلى حقيقة أن سَعة وأبعاد الوادي يتحكم في كم الماء الذي يسيل فيه، وأن إنزال الماء من السماء لا يتحكم فيه إلا الله.
على الرغم من أن هذا النص الكريم جاء في مقام التشبيه لكل من الحق والباطل، فإنه جاء بدقة فائقة في التعبير، وفي الشمول والإحاطة لأنه يتميز بالدلالة على عدد من العمليات التي لم يصل الإنسان إلى فهمها إلا بعد مجاهدة استغرقت عدداً كبيراً من العلماء لمئات من السنين، وورود ذلك في كتاب أنزل من قبل ١٤٠٠ سنة، على نبي أمي ﷺ، وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين، لما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الخالق، ويشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة و بالرسالة.


بقلم الدكتور زغلول النجار 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع