القائمة الرئيسية

مقالات دينية,جولة نسائية,جولة قرآنية,قصص دينية,جولة أطفال

 

حجة الودااع

حجة الوداع: منهج عمل


يقول ربنا تبارك وتعالى فى محكم كتابة: 
﴿…وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).
و (الحج) لغة هو القصد للزيارة أو السفر، وفي الشرع هو قصد بيت الله الحرام لأداء النسك الذي جعله ربنا تبارك وتعالى حقا لذاته العلية على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، ولو لمرة واحدة في العمر، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة منذ القدم كما يتضح من النقاط التالية:

(أ) قدم البيت الحرام:

 أمر ربنا تبارك وتعالى ملائكته ببناء الكعبة المشرفة على أول جزء تكون من اليابسة استعدادا لمقدم أبينا ادم عليه السلام، وفي ذلك يقول أبوذر رضي الله عنه: "قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع فى الأرض أول؟ قال المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت كم بينهما؟ قال "أربعون سنة، وأيما أدركت الصلاة فصل فهو مسجد". 
وقال  المصطفى ﷺ: "كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض".
"دحيت الأرض من مكة، فمدها الله تعالى من تحتها فسميت أم القرى" (الهروي/ الزمخشري).
وفى شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس رضي الله عنهما وابن قتيبة أرضاه الله، أن مكة المكرمة سميت باسم "أم القرى" لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض. 
والدحو فى اللغة هو المد والبسط والإلقاء، وهي كلمة جامعة للتعبير عن ثورة البركان الذي يوسع من امتداد طفوحه البركانية كلما تجدد نشاطه وذلك بإلقاء مزيد من تلك الطفوح. 
كذلك أخرج كل من الطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا عليه أنه (أي البيت الحرام) كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة (بفتح الزاي) أي كتلة من الزبد بيضاء فدحيت الأرض من تحته.
 وتأتي المعارف المكتسبة في مجال علوم الأرض لتثبت أن الأرض غٌمرت في مرحلة من مراحل خلقها الأولى غمرا كاملا بالماء، ثم شق الله تعالى قاع هذا المحيط الغامر بعدد من الخسوف الأرضية العميقة فانبثقت منها الثورات البركانية العنيفة التي ظلت تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط الغامر لتكون سلسلة جبلية طويلة ظلت ترتفع بالتدريج حتى برزت أعلى قمة فيها فوق مستوي سطح الماء مكونة أول جزء من اليابسة التي نعرفها اليوم على هيئة جزيرة بركانية صغيرة شكلت أرض الحرم المكي المبارك. وباستمرار النشاط البركاني فوق قاع هذا المحيط الغامر نمت هذه الجزيرة البركانية بعملية الدحو (وهو المد والبسط والإلقاء كما تفعل ثورات البراكين عادة) لتكون اليابسة على هيئة قارة واحدة تعرف باسم القارة الأم  (أو أم القارات). ثم فتت الله تعالى هذه القارة الأم إلى القارات السبع التي نعرفها اليوم، وأخذت هذه القارات تنزاح متباعدة عن بعضها البعض إلى مواقعها الحالية، باستمرار عملية زحف القارات، مع بقاء مكة المكرمة في وسط اليابسة، ولذلك سماها القرآن الكريم باسم (أم القرى).
 وكل من آيات القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى ﷺ تشير إلى أن مكة المكرمة ليست فقط في مركز يابسة الأرض، بل هي في مركز الكون كله انطلاقا من أقوال خاتم الأنبياء والمرسلين صل الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين التي منها ما يلي: 
(1)" البيت المعمور منا مكة" (أخرجه الأرزقى فى أخبار مكة).
(2)" البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضُرَاح وهو بحيال الكعبة" (رواه البيهقى فى شعب الإيمان).
(3)" يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء" (رواه الفاكهي فى أخبار مكة).
(4) "إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأراضين السبع".
أثبتت دراسات علوم الأرض وجود سبعة نطق متمايزة في أرضنا، يغلف الخارج منها الداخل. والكعبة المشرفة في وسط الأرض الأولى، ومن دونها ست أرضين، ومن حولها سبع سماوات متطابقة (أي يغلف الخارج منها كل الداخل فيها)، وذلك لأن القران الكريم يشير إلى مركزية الأرض من الكون بمقابلة الأرض (على ضآلة حجمها) بالسموات ( على ضخامة أبعادها)، وبالإشارة إلى البينية الفاصلة للأرض عن تلك السموات السبع المتطابقة (أي: التي يغلف الخارج منها الداخل) وذلك في عشرين آيه قرآنية صريحة، وكذلك يجمع أقطار السموات والأرض على ضخامة الأولى وضآلة حجم الثانية، وذلك في قول ربنا تبارك وتعالى:
 ﴿يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ﴾ (الرحمن:33)، وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت الأرض في مركز السموات السبع. 
 وتشير الآثار إلى أن الكعبة المشرفة كانت قد هدمت قبل بعثة نبي الله إبراهيم عليه السلام وبقيت قواعدها، فبوأها الله تعالى له وأمره بوضع زوجته السيدة هاجر، ورضيعها إسماعيل عند مكان البيت كي يعيدا بناءه بعد أن يبلغ إسماعيل أشده وذلك من أجل أن يأتي خاتم الأنبياء والمرسلين صل الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين من نسل إسماعيل عليه السلام، فيولد  بمكة المكرمة أشرف بقاع الأرض على الإطلاق التي نزل بها أول الخلق، وأول الأنبياء، آدم عليه السلام فيلتقي خاتم النبوة بأولها، تأكيدا على وحدة رسالة السماء وعلى الأخوة بين الأنبياء، وعلى وحدانية الخالق سبحانه وتعالى.

(ب) حدود الحرم المكي:

وللحرم المكي حدود حددتها الملائكة لأبينا آدم عليه وسلم ثم لأنبياء الله من بعده إلى خاتمهم أجمعين ﷺ، وهذه الحدود معلمة بأعلام لا تزال موجودة إلى اليوم مع تجديدها باستمرار، وهذه الحدود منصوبة في جهات خمس على النحو التالي:
1- الحد الشمالي للحرم المكي عند التنعيم على بعد 6 كم من مكة المكرمة. 
2- الحد الجنوبي عند قرية "أضاه" على بعد 12 كم من مكة المكرمة.
3- الحد الشرقي عند "الجعرانة" على بعد 16 كم من مكة المكرمة.
4- الحد الغربي عند الحديبية "الشميسي" على بعد 15 كم من مكة المكرمة.
5- الحد الشمالي الشرقي عند "وادي نخلة" على بعد 14 كم من مكة المكرمة.
 وبذلك تصبح مساحة الحرم المكي قرابة ستمائة كيلومتر مربع في وادٍ يبلغ طوله حوالي 31 كم وعرضه حوالي 18 كم.
(جـ) قدم عبادة الحج:
الحج عبادة قديمة شرعها الله تعالى لأبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه، كما شرعها لذريته من بعده، ولجميع من أرسل لهدايتهم من الأنبياء والمرسلين. فمن الثابت من أحاديث رسول الله ﷺ أن جميع الأنبياء والمرسلين والصالحين من عباد الله قد قدموا إلى الحرم المكي الشريف لأداء شعيرتي الحج والعمرة، ومن ذلك أقواله التالية: 
• "ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاءوا حجاجا فقبروا هناك" (القرطبي).
• "كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق مكة هو ومن آمن معه فتعبدوا بها حتى يموتوا" (القرطبي).
• "كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة، فيعبد الله تعالى ومن معه حتى يموت، فمات فيها نوح وهود وصالح وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر" (الطبري).
• "في مسجد الخيف قبور سبعين نبيا" (رواه الهيثمى ووثق رجاله).
• "حج خمسة وسبعون نبيا كلهم قد طاف بهذا البيت، وصلى في مسجد منى".
• "إذا كنت بين الأخشبين من منى- ونفخ بيده الشريفة إلى المشرق- فان هناك واديا يقال له وادي السرر، به سرحة سر تحتها سبعون نبيا" (أي أنهم ولدوا تحت تلك السرحة).
"وما من نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل إلا قد حج البيت الحرام، وطاف به، ووقف على المشاعر المقدسة في هذه البقاع الطاهرة، فلما كان إبراهيم عليه السلام بالشام أراه الله عز وجل البيت وبوأه له فخرج إليه من الشام، ومعه ابنه إسماعيل وزوجه هاجر أم إسماعيل الذي كان طفلا صغيرا ترضعه".  

 (د) الله تعالى يشهد لمكة المكرمة بالحرمة:

جعل الله تعالى الكعبة المشرفة قبلة للعابدين من خلقه من زمن أبينا آدم عليه السلام وإلى أن يشاء الله، وذكر مكة المكرمة وحرمها الشريف سبعا وعشرين مرة في محكم كتابه، وسمي باسمها إحدى سوره وهي سورة "البلد" واقسم بها قائلا: "لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ" (البلد:1). ونفي القسم في اللغة العربية مبالغة في توكيده، والله تعالى غني عن القسم لعباده، فإذا جاءت الآية القرآنية الكريمة في صيغة القسم كان ذلك من قبيل تنبيهنا (نحن معشر المسلمين) إلى أهمية الأمر المقسم به. ولما كانت مكة المكرمة هي المدينة الوحيدة التي جاء القسم بها في كتاب الله كان في ذلك تنبيه لنا إلى عظيم مكانتها، وشرف قدرها، وحرمتها عند الله. ومن هنا كان الحج إليها والاعتمار بها عبادة من أجل العبادات وأكرمها عند الله، ومن أعظم القربات إليه، ومن هنا أيضا كانت مضاعفة الحسنات فيها إلى مائة ألف ضعف بل إلى أضعاف كثيرة، وكان تعظيم الدية على من ارتكب جناية فيها، وتغليظ العقوبة على المسيئين بها، وكان تحريم دخول المشركين إليها، ووجوب إحرام المسلمين من المواقيت المحددة قبل الوصول إليها حاجين أو معتمرين.
(هـ) رسول الله ﷺ يشهد لمكة المكرمة بالحرمة الإلهية: 
أكد رسول الله ﷺ على حرمة مكة منذ الأزل، وأورد في ذلك عشرات من الأحاديث نختار منها ما يلي: 
• "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس" (البخارى ومسلم).
• "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها" (البخاري وأحمد والنسائي).
• "إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة".
• " إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يختلي خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها، إلا لمنشد" (البخاري ومسلم).
"لا يكون بمكة سافك دم، ولا آكل ربا، ولا نمام، ودحيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة" (الأزرقي والجندي).
وقال رسول الله ﷺ فيما خطب به الناس يوم الفتح: 
• "إن مكة حرمها الله يوم خلق السموات والأرض، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد شجرا، فإن أحد ترخص في قتال فيها فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن له ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس".
وختم ﷺ  هذه التوصيات المشددة على حرمة مكة المكرمة بقوله الشريف: "لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا".
وهذه الأحاديث النبوية الشريفة هي مذكرة تفسيرية لقول ربنا تبارك وتعالى على لسان خاتم أنبيائه ورسله ﷺ:﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ (النمل:91).

(و) قدسية مكة المكرمة عبر التاريخ:

بقي تقديس مكة المكرمة إلى عهد داود عليه السلام، وبقي ذكرها في مزاميره، رغم ضياع أصول تلك المزامير، ورغم تعرض ما بقي من ذكريات عنها للتحريف تلو التحريف، وللتزوير والتزييف. فقد جاء ذكر "وادي بكة" في بعض الابتهالات المنسوبة إلى داود عليه السلام "في العهد القديم" (مزمور 48/6) الموجود في كل من طبعة تومبسون
1. Today’s English Version Bible.
2. Thompson Chain – Reference Bible.
وفى كل الطبعات باللغات الأجنبية الأخرى، ولكن في الترجمة العربية للنص الانجليزي تم تحريف "وادي بكة" إلى "وادي البكاء"، علما بأنه لا يوجد في المنطقة العربية كلها واد بهذا الاسم المحرف، كما تم تحريف لفظة (الحج) إلى تعبير طرق بيتك، كما جاء في طبعة للعهدين القديم والجديد (نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط – بيروت ص 892).
واستمر العرب في جاهليتهم يعظمون شعيرة الحج، وحرمة البيت، على الرغم مما كانوا قد وقعوا فيه من انحرافات الشرك، والضلال عن الحق، والابتداع في الدين من أمثال التصدية، والتصفير، والتعري بالكامل أثناء الطواف، ووضع الأصنام والأوثان حول الكعبة. فكان الرجل يلاقي قاتل أبيه في الحرم فلا يناله بسوء تعظيما لحرمة البيت. وكان اتفاق كل قبائل العرب على ذلك دليلا على ما كانوا قد توارثوه عن أجدادهم من بقايا الحق القديم الذي دعا إليه جميع أنبياء الله ورسله، وكان على رأسهم نبيا الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام. ولم تكن حرمة مكة المكرمة تحمي الإنسان فقط في زمن الجاهلية، بل امتدت إلى تأمين كل من النبات والحيوان في كل الحرم المكي الذي كانت حدوده معلومة للجميع. وظل الحال كذلك حتى كانت السنة العاشرة من الهجرة، حين تجددت فريضة الحج في بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ، فجاء ليرد الناس من جديد إلى دين الله الحق، وليعيد إحياء عبادة الحج كما شرعها ربنا تبارك وتعالى لعباده، ويغسلها مما كان قد علق بها من أدران الشرك، وضلالات الشيطان، ويعيدها نقية صافية كما شرعها الله تعالى، ومن هنا كانت ضرورة "حجة الوداع" المعروفة أيضا باسم "حجة البلاغ " أو "حجة الإسلام".

(ز ) رسول الله ﷺ: يمتدح شعيرتي الحج والعمرة والمقام بمكة:

امتدح رسول الله ﷺ شعيرتي الحج والعمرة في أحاديث كثيرة نختار منها أقواله التالية:
• "الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وان استغفروه غفر لهم" (ابن ماجه فى مسنده).
• "من حج إلى مكة كان له بكل خطوة يخطوها بعيره سبعون حسنة، فإن حج ماشيا كان له بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، أتدري ما حسنات الحرم؟ الحسنة بمائة ألف حسنة". 
• "المقام بمكة سعادة، والخروج منها شقوة".
• "إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد (مسجد مكة) في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة: ستين للطائفين، وأربعين للمصلين، وعشرين للناظرين" (البيهقى والطبرانى).
• "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة" (متفق عليه).
• روي عن رسول الله ﷺ قوله عن مكة المكرمة: "والله إنك خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" (أحمد، ابن ماجه، الترمذي).
• وقال: "ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك". 
• "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" (متفق عليه). 
• "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (البخاري ومسلم).
لماذا شرع الله تعالى فريضة الحج؟  
الحج يعني قصد الإنسان مكة المكرمة محرما من الميقات المحدد في أشهر الحج، والوقوف بعرفة، وما يتبع ذلك من مناسك، يؤديها كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، ولو مرة واحدة في العمر؛ وذلك استجابة لأمر الله، وابتغاء مرضاته. والحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، وحق لله تعالى على المستطيعين من عباده ذكورا وإناثا لقوله: ﴿…وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).
  والحج هو عبادة من أجلِّ العبادات وأفضلها عند رب العالمين، وذلك لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ "سُئل‏:‏ أي الأعمال أفضل؟ قال‏: ‏إيمان بالله ورسوله‏،‏ قيل‏:‏ ثم ماذا؟ قال: ‏ثم جهاد في سبيل الله‏،‏ قيل‏:‏ ثم ماذا؟ قال‏: ‏ثم حج مبرور‏ (أي الذي لا يخالطه إثم)" (‏أخرجه الإمام أحمد).
وأصل‏(‏العبادة‏)‏ الطاعة‏،‏ و‏(‏التَّعَبُّد‏)‏ هو التنسك،‏ والطاعة المبنية على أساس من الطمأنينة العقلية والقلبية الكاملة لا تحتاج إلى تبرير‏،‏ ولكن إذا عرفت الحكمة من ورائها أدَّاها العبد بإتقان أفضل‏،‏ وكان سلوكه في أدائها أنبل وأجمل‏،‏ وكان أجره على حسن أدائها أوفى وأكمل.

من مقاصد الحج‏: ‏لهذه الفريضة الإسلامية الجليلة حِكَم عديدة منها‏:‏

أولاً: ‏تعريض كل من حَجَّ البيت لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة‏:‏
فالله تعالى خلق كلاً من المكان والزمان‏،‏ وجعلهما أمرين متواصلين، فلا يوجد مكان بلا زمان‏،‏ ولا زمان بلا مكان‏،‏ وكما فضَّل بعض الرسل على بعض‏،‏ وبعض الأنبياء على بعض‏،‏ وبعض أفراد البشر على بعض، فضَّل سبحانه وتعالى بعض الأزمنة على بعض‏، وبعض الأماكن على بعض‏.‏ 
فمن تفضيل الأزمنة جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع‏،‏ وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة‏،‏ وجعل الليالي العشر الأخيرة من هذا الشهر الفضيل أشرف ليالي السنة‏،‏ وجعل أشرفها على الإطلاق "ليلة القدر" التي هي خيرً من ألف شهر‏. ‏ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج‏،‏ ومن بعدها تأتي بقية الأشهر الحرم. ومن الأيام جعل ربنا تبارك وتعالى أشرفها عشرة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة‏،‏ وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة‏،‏ وفي ذلك يروى عن جابر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال رسول الله ﷺ:‏ "ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ، فقال رجل‏:‏ هن أفضل‏،‏ أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال ﷺ:‏ هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله‏،‏ وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة‏،‏ ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا‏،‏ فيباهي بأهل الأرض أهلَ السماء فيقول‏:‏ انظروا إلى عبادي‏،‏ جاءوني شُعْثاً غُبْرا ضاحين‏.‏ جاءوا من كل فج عميق‏،‏ يرجون رحمتي ولم يروا عذابي‏،‏ فلم يُرَ يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة"، ولذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم.‏
ومن تفضيل الأماكن‏،‏ فضل ربنا تبارك وتعالى مكة المكرمة وحرمها الشريف على جميع بقاع الأرض‏،‏ ومن بعدها فضَّل مدينة رسول الله ﷺ ومن بعدها فضَّل بيت المقدس، كما جاء في العديد من أحاديث رسول الله ﷺ، فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان، تضاعفت البركات والأجور والكرامات إن شاء الله.‏
ومن هنا كان من حكمة فريضة الحج (بالإضافة إلى كونها طاعة للأمر الإلهي) هو تعريض كل مسلم‏‏ بالغ‏‏ عاقل‏‏ حر‏‏ مستطيع‏، ذكراً كان أو أنثى‏،‏ ولو لمرة واحدة في العمر لبركة أشرف بقاع الأرض‏ (الحرم المكي) في بركة أشرف أيام السنة (‏الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة)،‏ ولذلك قال ربنا تبارك و تعالى:‏‏‏ *وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ* (‏آل عمران‏:97)‏.
وقال المصطفى ﷺ:‏ "هذا البيت دعامة الإسلام‏،‏ فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر‏،‏ كان مضموناً على الله‏،‏ إن قبضه أن يدخله الجنة‏،‏ وإن ردَّه‏،‏ ردَّه بأجر وغنيمة" (الأزرقي والطبراني).
و‏‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال رسول الله ﷺ‏: ‏"العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (البخاري ومسلم).
 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال رسول الله ﷺ:‏ "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب‏‏ كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة‏،‏ وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" (الترمذي والنسائي).

ثانياً: ‏تذكير الحاج بمرحلية الحياة‏،‏ وبحتمية الرجوع إلى الله تعالى‏:‏

على الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله تعالى على جميع خلقه، والذي يشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة‏،‏ وعلى الرغم من إيماننا (نحن معشر المسلمين) بحتمية البعث والحساب والجزاء، ثم الخلود في الحياة القادمة، إما في الجنة أبداً أو في النار أبداً إلا أن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين، ويبقى الموت مصيبة ـ كما سماه القرآن الكريم ـ‏ ويبقى الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه‏،‏ وإعراضهم عن ذكره‏،‏ وقلة تفكرهم فيه‏،‏ وانصرافهم عن العمل له‏،‏ وانشغالهم بالدنيا حتى أنستهم إياه أو كادت، وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ـ ولو لفترة قصيرة ـ وتذكرهم بحتمية العودة إلى الله تعالى.
ثالثا: تذكير الإنسان بمحاسبة نفسه قبل أن يحاسب وذلك انطلاقا من أعمال إجرائية عديدة قبل القيام برحلة الحج، منها ما يلي‏:‏
‏1‏ـ التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي، وفي ذلك يقول المصطفى ﷺ:‏ "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة‏".‏
‏2‏ـ وصل كل مقطوع من صلات الرحم، لقوله ﷺ‏:‏ "الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله" (الترمذي).
‏3‏ـ قضاء الديون ورد المظالم وغير ذلك من حقوق العباد، وفي ذلك يقول المصطفى ﷺ:‏ "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم‏،‏ من قبل ألا يكون دينار ولا درهم‏،‏ إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته‏، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه‏" (البخاري).
‏4ـ‏ أن تكون النية بالحج خالصة لله تعالى ومتجردة عن كل هوى وسمعة، وفي ذلك يقول خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ:‏ "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏" (البخاري ومسلم).
وقال ﷺ‏:‏ "أخلص دينك يكفك العمل القليل" (رواه الحاكم).
‏5-‏ الحرص على الحلال والهروب من كل حرام وذلك لأن نفقات الحج يجب أن تكون من أحل حلال المال.‏
‏6-‏ الحرص على تسديد زكاة المال قبل الخروج بالحج.‏
‏7-‏ كتابة الوصية وتوضيح كافة الحقوق فيها.‏
وفي إتمام هذه الأعمال تهيئة للنفس تهيئة كاملة لعملية مفارقة الحياة الدنيا، والرجوع إلى الله تعالى والاستعداد لحساب القبر وجزائه‏، ثم للبعث والحشر والعرض الأكبر، وتلقي الحساب والجزاء، ثم الخلود في الحياة الآخرة، إما في الجنة أبداً، أو في النار أبداً.‏

رابعا: التدريب العملي على مفارقة الحياة الدنيا:


‏1‏ـ غسل الإحرام يذكر الحاج بغسله ميتاً وهو لا يملك لنفسه شيئاً بين أيدي مغسله،‏ والغسل رمز للتطهر من الذنوب والآثام‏.‏
‏2-‏ والإحرام يذكر الحاج بالخروج من الدنيا بلا أدنى زينة أو ملك، كما يذكره بالكفن الذي سوف يُلف فيه جسده بعد تغسيله.‏
‏3‏ـ والنية عهد بين العبد وربه‏.‏
‏4-‏ الوقوف عند الميقات يذكر الحاج بأجله الذي حدده الله تعالى له، والذي يقول فيه:‏ ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً﴾ (‏آل عمران‏:145)‏.
والانتقال من الحِلَّ إلى الحرم عبر الميقات يذكر بالانتقال من الدنيا إلى الآخرة عبر الموت‏،‏ والتلبية نداء إلى الله، واستنجاد برحمته، واحتماء بحماه‏.‏
‏5-‏ والطواف حول الكعبة المشرفة يذكر بضرورة الانتظام مع حركة الكون في خضوعه لأوامر الله تعالى وانصياعه لقوانين هذا الخالق العظيم وسننه في عبادة وذكر دائمين‏،‏ كما أن بداية الطواف ونهايته تؤكدان بداية الأجل ونهايته‏،‏ وهي حقيقة يغفل عنها كثير من الناس حتى يفاجئهم الموت وهم أصفار الأيادي من الحسنات، فخسروا الدنيا والآخرة. والرَّمَل والاضطباع في طواف القدوم إحياء لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ.‏
‏6-‏ والصلاة في مقام إبراهيم تذكر بجهاد الأنبياء والمرسلين، وبمقام الصالحين عند رب العالمين‏.‏
‏7-‏ والشرب من ماء زمزم يؤكد قدرة رب العالمين التي لا حدود لها، ولا عائق أمامها، إن أراد إكرام عباده الصالحين الواثقين به حق الوثوق، والمتوكلين عليه حق التوكل.‏
‏8-‏ والسعي بين الصفا والمروة يذكر بأم إسماعيل عليهما من الله السلام وهي تركض بين هذين التلَّين بحثاً عن الماء لصغيرها، ونتيجة لإخلاصها، ولثقتها بربها أكرمها الله تعالى بجبريل يضرب صخور أرض مكة بجناحه، أو بعقبه فيفجر ماء زمزم‏ من تلك الصخور المصمطة التي لا مسامية لها‏.‏
‏9-‏ والنفرة إلى منى ثم إلى عرفات تذكر بيوم البعث في زحامه وشدته وأهواله.
‏10-‏ والوقوف بعرفات تذكر بالحشر وبالعرض الأكبر بين يدي الله تعالى وبالحساب والجزاء‏.‏
‏11-‏ والمبيت بالمزدلفة يذكر بآلاف الأنبياء ومئات المرسلين الذين حجوا من قبل، والذين نزلوا بهذا المنزل؛ تأكيداً على وحدة الدين، وعلى الأخوة بين أنبياء رب العالمين، وإحياءاً لسنة خاتمهم وإمامهم ﷺ.
‏12-‏ والنحر والحلق أو التقصير يذكران بفداء الله لنبيه إسماعيل عليه السلام؛ إكراماً لطاعته وطاعة أبيه إبراهيم عليهما السلام لأوامر رب العالمين، وإحياءً لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين، ورمزاً للتطهر من الذنوب والآثام.‏
‏13-‏ ورمي الجمار تأكيد على حتمية انتصار العبد المؤمن على الشيطان في هذا الصراع، والرجم رمز لذلك الانتصار، وعهد مع الله تعالى على تحقيقه‏.‏
‏14-‏ والتحلل من الإحرام، وطواف كلٍ من الإفاضة والوداع رمز لانتهاء هذه الشعيرة العظمى، وعودة إلى دوامة الحياة الدنيا من جديد بذنب مغفور، وعمل صالح مقبول، وتجارة مع الله تعالى لن تبور إن شاء الله. ومن هنا كان واجب الحاج (بعد عودته من حجه) أن يبدأ مع ربه صفحة جديدة، إطارها الفهم الصحيح لرسالة الإنسان في هذه الحياة‏:‏ عبداً لله يعبده سبحانه وتعالى بما أمر، ويجاهد بصدق من أجل حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها، وإقامة دين الله وعدله على سطحها‏،‏ والدعوة إلى هذا الدين بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة والمنطق السوي من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس من عذاب الآخرة.‏
‏15-‏ وفى جموع الحُجَّاج من كل عرق ولون وجنس ولغة، وهم يتحركون في موكب واحد لأداء هذه الفريضة الكبرى؛ تأكيد على وحدة الجنس البشري المنبثق من أب واحد وأم واحدة، هما آدم وحواء عليهما من الله السلام، وتأكيد على وحدة رسالة السماء، وهي الإسلام العظيم، وعلى الأخوة بين الأنبياء، وعلى وحدانية رب السموات والأرض- بغير شريك ولا شبيه‏،‏ ولا منازع‏، ولا صاحبة‏،‏ ولا ولد‏- والخالق منـزه تنـزيهاً كاملاً عن جميع صفات خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله. ‏

خامسا: خروج الحاج من هذه الرحلة المباركة بالتدرب على عدد من الخصال الحميدة التي منها ما يلي:

‏1-‏ الزهد في الدنيا والحرص على الآخرة‏؛‏ وذلك لأن الدنيا مهما طال عمر الإنسان فيها فإن نهايتها الموت‏،‏ والآخرة خلود بلا موت، وليس معنى ذلك إهمال مسئوليات الإنسان في الدنيا؛ لأن الإنسان مطالب بالنجاح فيها ولكن ليس على حساب الآخرة‏.‏
‏2-‏ اليقين بأن الحج يطهِّر من الذنوب والآثام انطلاقاً من قول رسول الله ﷺ: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (البخاري ومسلم)‏.‏
ولقوله ﷺ لعمرو بن العاص رضي الله عنه حين قدم لمبايعته‏:‏ "أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟" ‏(‏رواه مسلم‏).‏
وانطلاقاً من هذا اليقين، كان واجباً على كل من أدَّى فريضة الحج الحرص الشديد على عدم الوقوع في معاصي الله‏.‏
‏3-‏ والحرص على أداء العبادات المفروضة في وقتها، وعلى الإتيان من النوافل قدر الاستطاعة‏.‏
‏4-‏ التمسك بطهارة النفس، واستقامة السلوك، وعفة اللسان، وغض البصر، والتحكم في الشهوات والرغبات والأهواء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس‏،‏ وصدق الحديث‏،‏ ورقة التعامل مع الآخرين‏،‏ والتواضع للخلق‏،‏ وحسن الاستماع والإتباع‏،‏ والاحتشام في الزى والهيئة‏،‏ وإخلاص السرائر‏،‏ واجتناب سوء الظن بالآخرين في الأحكام عليهم‏،‏ والتوسط والاعتدال في كل أمر‏،‏ والثبات على الحق، والمجاهدة من أجل نصرته، وتحمل تكاليف ذلك‏،‏ والحرص على العمل الصالح، والتنافس فيه حتى يكون في سلوك الحاج قدوة حسنة لغيره‏.‏
‏5-‏ الحرص على التزوُّد من العلوم الشرعية‏،‏ والتفقه في الدين‏،‏ والالتزام بما يتعلمه؛‏ وذلك لأن الإسلام دين لا يُبنَى على جهالة‏،‏ وإنما يُبنَى على علم والتزام. ومصدرا التلقي للمسلم هما كتاب الله وسنة رسوله‏ ﷺ،‏ وعلى كل مسلم أن يجتهد في التعرف على أوامر الله تعالى ويُلزِم نفسه وأهله بها‏،‏ وفي التعرف على نواهيه فيجتنبها ويحاربها‏،‏ فإن انغلق عليه أمر من الأمور فعليه بسؤال أهل الذكر كما قال ربنا تبارك وتعالى‏:‏ ﴿‏...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل‏:43).
‏6-‏ الحرص على الكسب الحلال‏،‏ وعلى طيب المَطْعَم والمشرب‏، وعلى البعد كلَّ البعد عن الشبهات والمحرمات.‏ 
‏7-‏ المواظبة على الصحبة الطيبة‏،‏ وعلى التزام جماعة المسلمين‏،‏ وعلى الولاء لهم‏،‏ والبراء من غيرهم‏،‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله ﷺ:‏
‏﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ ‏(الكهف‏: 28).
‏8-‏ الاهتمام بقضايا المسلمين الكبرى‏،‏ ومن أبرزها قضايا الأمية بشقيها (أمية القراءة والكتابة وأمية العقيدة) وقضايا الحريات، وقضايا التخلف العلمي والتقني‏,، وتفشي كلٍ من الفقر والمرض، وقضايا تحرير أراضى المسلمين المحتلة من مثل أراضى كل من فلسطين، العراق، وأفغانستان، وجنوب الفلبين، أراكان، سبتة، ومليلة وجزيرة ليلى وغيرها من الجزر المغربية، والأراضي الإسلامية المغتصبة.  
9-‏ المساهمة الفعالة في الدعوة إلى دين الله بالكلمة الطيبة، والحجة الواضحة، والمنطق السوي‏.‏
‏10-‏ العمل على جمع كلمة المسلمين في وحدة كاملة ـ ولو على مراحل متتالية.

سادسا: شهود العديد من المنافع أثناء شعيرة الحج:

والمنافع التي يشهدها حُجَّاج بيت الله الحرام كثيرة جداً لو أحسن المسلمون الاستفادة بهذه العبادة المباركة التي تتم في أبرك بقاع الأرض (عند أول بيت وضع للناس)، وفي أفضل أيام السنة على الإطلاق، وهي العشر الأوائل من ذي الحجة،‏ و على ذلك فلابد وأن يخالط هذه العبادة الجليلة شيء من التعارف‏، والتواصل‏،‏ والتعاون‏،‏ والتنسيق والتكامل على مستوى الأفراد والمؤسسات والحكومات‏، حتى تلتقي الدنيا والآخرة‏،‏ كما يلتقي فيها أول النبوة بخاتمها‏،‏ وتلتقي فيها مسيرة النبوة والرسالة السماوية‏،‏ بل ومسيرة البشرية كلها عبر التاريخ‏.‏
فأصحاب الدعوة إلى الله‏،‏ وزعماء الإصلاح في العالم الإسلامي يجب أن يجدوا في موسم الحج فرصة ذهبية لعرض أفكارهم على الناس‏،‏ وأصحاب كلٍ من الزراعة والصناعة والتجارة يجدونها فرصة كذلك لعقد الصفقات أو لترويج ما لديهم من منتجات فتحول هذا المكان الطيب الطاهر إلى سوق عالمي سنوي في ظل القيام بأداء شعائر الله‏،‏ والعمل على ترسيخ دينه في الأرض،‏ ولذلك قال تعالى‏:‏ 
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ﴾ (آل عمران: 96,97). 
وقول عز من قائل لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: 
﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ ﴾ (الحج:27-29).
سابعاً: الاستفادة بهذا المؤتمر الدولي الأول في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين بخاصة وقضايا الإنسانية بصفة عامة‏:‏
فالحج هو أول صورة من صور المؤتمرات الدولية، مؤتمر جامع للمسلمين من مختلف بقاع الأرض‏،‏ يجدون فيه توحَّدهم في عبادة إله واحد‏، لا شريك له في ملكه‏،‏ ولا منازع له في سلطانه‏،‏ ولا شبيه له من خلقه‏، ويتوجهون إلى قبلة واحدة، هي تلك البقعة المباركة التي بُنِيَت الكعبة عليها‏،‏ ويتوحَّدون تحت راية القرآن الكريم وهو الكتاب السماوي الوحيد المحفوظ بين أيدي الناس بنفس لغة وحية.
ويتوحدون تحت لواء خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ، وفي نور هديه وسنته‏، فتتلاشى في نور الإسلام العظيم كل فوارق العرق‏‏ واللون‏ واللغة‏ والوطن‏،‏ ويتجسد معنى الأخوة الإسلامية في الله ولله‏،‏ وهو من أعظم عناصر القوة في زمن التكتلات الذي نعيشه.‏
فما أحرى حكام الدول الإسلامية، ومستشاريهم، وعلمائهم، وأصحاب القرار فيهم أن يحرصوا على المشاركة في هذا المؤتمر الإسلامي الدولي مشاركة فعالة، يناقشون فيها مشاكلهم ومشاكل دولهم‏،‏ و يتدارسون وسائل التعاون في مختلف أنشطة حياتهم تمهيداً لتحقيق الوحدة الكاملة بينهم ولو على مراحل متدرجة مدروسة.
وما أحرى علماء الأمة الإسلامية، ومفكريها، وقادة الرأي من بين أبنائها، وإعلامييها أن يحرصوا على المشاركة في اجتماعات الحج لمناقشة أهم القضايا الشرعية والعلمية والإعلامية المختلفة التي تهم الأمة الإسلامية.‏
وما أحرى رجال الأعمال المسلمين أن يستغلوا فرصة الحج لمزيد من التعارف والتعاون والتكامل فيما بينهم‏، حتى تتوحد الأمة وتترابط في جسد واحد‏،‏ ويبقى الحج بعد ذلك أعظم المؤتمرات الدولية للتعارف بين المسلمين، وتبادل الآراء والخبرات، والتشاور‏ والتنسيق‏ والتخطيط في مواجهة كل أمورهم ومشاكلهم وتحدياتهم ومختلف قضاياهم؛ وذلك من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي‏‏ والإداري‏، والإعلامي‏ والسياسي بينهم، حتى ينتهي ذلك بوحدة كاملة على أسس راسخة مدروسة‏ إن شاء الله تعالى. وكون ذلك يتم في جو من الروحانية العالية‏، والعبادة الخالصة، والقرب من الله تعالى والذكر الدائم لجلاله في أشرف بقاع الأرض وأشرف أيام السنة، يجعل من دواعي نجاح ذلك المؤتمر السنوي ما لا يمكن توافره لمؤتمر سواه.

ثامنا: التعرف على أحكام الحج:

يجب الحج في العمر مرة واحدة –إلا أن ينذر فيجب الوفاء بالنذر– وما زاد فهو تطوع لقول المصطفى ﷺ: "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع" (أخرجه الأمام أحمد)، وقوله: "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا"، فقال رجل: "أكل عام يا رسول الله؟ فسكت ﷺ حتى قالها الرجل ثلاثا، ثم قال ﷺ: "ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" (البخاري ومسلم).
ولا يجوز لمسلم بالغ عاقل حر مستطيع آمن أن يتراخى في أداء فريضة الحج لقول المصطفى ﷺ: "تعجلوا الحج" (يعنى الفريضة) فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة"، وغير المستطيع لا يلزمه الحج ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعا بذلك سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا.
وكل من الصبي و العبد لا يجب عليهما الحج، لكنهما إذا حجا صح منهما، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام، وإذا كان الصبي مميزا أحرم بنفسه، وأدي مناسك الحج  وإلا أحرم عنه وليه، ولبى عنه، وطاف به وسعى، وأوقفه بعرفة، ورمى عنه.
ويرى بعض الفقهاء أن الصبي إذا بلغ قبل الوقوف بعرفة، وكذا العبد إذا أعتق قبل هذا الموقف العظيم أجزأ ذلك عن حجة الإسلام، بينما يرى البعض الآخر أن ذلك لا يجزئ أيا منهما لأن النية في الإحرام جاءت تطوعا فلا تنقلب فرضا. وهذا لا يمنع الصبيان من الحج، ولا يحرمهم أو يحرم أولياؤهم من الأجر، وإن كان حجهم قبل البلوغ لا يسقط عنهم حجة الإسلام إذا بلغوا، فعن ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما: "أن امرأة رفعت إلى رسول الله ﷺ صبيا فقالت: ألهذا حج؟ قال ﷺ: نعم و لك أجر"، وعلى ذلك فقد اجمع فقهاء المسلمين على أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك.
ويجب الحج على المرأة كما يجب على الرجل سواء بسواء، إذا استوفت شرائط الوجوب التي تقدم ذكرها (من الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة والأمن)، ويزاد عليها بالنسبة للمرأة أن يصحبها زوجها أو محرم من محارمها، أو صحبة من نسوة ثقات. ويستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في الخروج إلى حج الفريضة، فإن أذن لها خرجت، وإن لم يأذن خرجت بغير إذنه في كل من حج الفريضة، وحج النذر، ولا إثم عليها، أما في حج التطوع فلا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، وتأثم إن خالفت أمره. ومن مات وعليه حجة الإسلام أو حجة كان قد نذرها وجب على وليه أن يُجَهِّزَ من يحج عنه من ماله تماما كما يجب عليه قضاء ديونه، ويقدم الحج على دين الآدمي إذا كانت التركة لا تتسع للحج وسداد الدين معا، ويرى بعض الفقهاء أن يحج عن الميت إذا كان قد أوصى بذلك، أما إذا لم يكن قد أوصى فلا يحج عنه لأن الحج عبادة تلزمها النية كأي عبادة أخرى.
 وغير المستطيع للحج (بسبب المرض أو الشيخوخة) كالمعضوب أي الزَّمِن الذي لا حراك له لزمه إحجاج غيره عنه ممن قد سبق له أن حج حجة الفريضة عن نفسه، وفي ذلك يجوز للمرأة أن تحج عن أي من الرجل أو المرأة، كما يجوز للرجل أن يحج عن أي منهما، فإذا عوفي المعضوب فان له أن يعيد الحج أو لا يعيده.
ومن حج لنذر وعليه حجة الإسلام قيل انه يجزئ عنهما، كما قيل أن من الأفضل البدء بفريضة الحج ثم الوفاء بالنذر بعد ذلك. ولا يجوز الاقتراض من اجل أداء فريضة الحج كأمر رسول الله ﷺ...والحج من مال حرام لا يجزئ  أو يجزئ عند أكثر العلماء مع الكراهية ويأثم صاحبه.
ويجوز التكسب والكراء في الحج انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ (البقرة: 198).
وحجة الإسلام (حجة الفريضة) تؤدى في أي وقت من العمر، ولكن رسول الله ﷺ يوصي بالتعجيل بها، وهذا لا ينفي حج التطوع، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "قلت يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ قال ﷺ: لَكنَّ أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور"، قالت: "فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ﷺ" (البخاري).
ومن لا يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة مثل المريض والفقير والمعضوب (أي الطاعن في السن الذي لا حراك له)، والمقطوع طريقه، والمرأة التي لا تجد لها محرما ولا رفقة آمنة، وغير هؤلاء إذا تكلفوا شهود المشاهد أجزأهم الحج. وقد سئل رسول الله ﷺ عن الرجل لم يحج أيستقرض للحج؟ قال: "لا"، ونفقة الحج لا بد وأن تكون من أطيب مال الحاج.
هذه هي الشروط الشرعية لعبادة الحج، ويبقى الحج بعد ذلك سياحة في طلب مرضاة الله.
وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ﴾ (البقرة: 197)، ويقول المصطفى ﷺ: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله: الدرهم بسبعمائة ضعف". ويقول المصطفى ﷺ: "هلم إلى جهاد لا شوكة فيه: الحج"، وقال: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج".
ويقول ﷺ: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وان الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله".
"هذا البيت دعامة الإسلام فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا على الله إن قبضه أن له الجنة، وإن رده، رده بأجر وغنيمة".

تاسعا: ضوابط لازمة لشعيرة الحج:

بعد كل ما سبق يبقى الحج ركنا من أركان الإسلام، وارتحالا في طلب مرضاة الله، وسياحة في عبادة يتحرك فيها الحاج من بلده بضوابط مشروعة منها الإحرام من المواقيت المعتبرة، في أشهر الحج المحددة: (شوال، ذو القعدة، ذو الحجة) متجردا من الدنيا وزخرفها، ويستوي في ذلك الغني والفقير، والأمير والمأمور، ليطوف بالبيت العتيق، وهو أول بيت وضع لعبادة الله تعالى، ولكي يسعى بين الصفا والمروة إحياء لذكرى جهاد أم إسماعيل عليهما السلام، ويتحرك في باقي المشاعر التي مر بها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وهو يقوده لذبحه، انصياعا لأوامر الله تعالى، وهي صورة من صور الإيمان بالله والتسليم لأوامره يجب أن يدرب كل مؤمن نفسه عليها، ثم يمر بالمواقف التي ظهر فيها الشيطان للنبيين الكريمين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، موسوسا، ومرجفا، ومخوفا، في محاولة لصدهما عن تنفيذ أوامر الله، وهي مواقف تذكرنا بضرورة التحرز من وساوس الشيطان، و نفثه وسوسته وفتنه، وبالاحتماء بجناب الله، لأن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم من العروق. 
ويقف  الحاج في أداء هذا النسك ذلك الموقف العظيم في عرفات وهو موقف يذكر الإنسان بيوم الحشر، وهو موقف ضراعة ودعاء إلى الله، يقول فيه رسولنا الكريم ﷺ: "إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر الحرام، وضمن عنهم التبعات" فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال ﷺ: "هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم الدين".

فريضة الحج كما حددتها حجة الوداع:   

طهر رسول الله ﷺ شعيرة الحج من أدران الجاهلية، وبين للمسلمين ضرورة الالتزام بمواقيت ومناسك (أعمال) الحج والعمرة كما حددها لهم في حجة الوداع على النحو التالي، قائلا: "خذوا عني مناسككم".
أولا: مواقيت الحج والعمرة: 
(أ‌) المواقيت الزمانية: لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره (شوال، ذي القعدة، ذي الحجة) انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ (البقرة: 197). 
(ب‌) المواقيت المكانية: وهي على النحو التالي كما حددها رسول الله ﷺ:
ميقات أهل المدينة: ذي الحليفة (أبار علي).
ميقات أهل الشام ومصر: الجحفة أو رابغ.
ميقات أهل نجد: قرن المنازل (94 كم شرقي مكة المكرمة).
ميقات أهل اليمن: يلملم (54 كم جنوبي مكة المكرمة).
ميقات أهل العراق: ذات عرق (94كم شمال شرقي مكة المكرمة).
ميقات أهل مكة المكرمة: منازل مكة للحج وموقع التنعيم للعمرة (6 كم شمالي مكة).
 وقد قال رسول الله ﷺ بعد أن عين هذه المواقيت لأهلها: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن لمن أراد الحج أو العمرة " (البخاري ومسلم).

ثانيا: مناسك الحج والعمرة 

(1) الإحرام والنية من الميقات المعتبر: والمقصود به التطهر (باغتسال أو وضوء)، والتجرد من الثياب المخيط، والتطيب، والنية، وذلك بعد صلاة مكتوبة أو صلاة تطوع، والنية بالإحرام تكون بالحج والعمرة (القران) أو بالعمرة إلى الحج (التمتع)، أو بالحج فقط (الإفراد) وليس لأهل الحرم إلا الإفراد ومن تمتع في أشهر الحج فعليه دم أو صوم انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ﴾ (البقرة: 196).
و على كل من المتمتع والقارن هديا أقله شاة، فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لأهله، وفي ذلك يقول المصطفى ﷺ: "من أهل بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد"، والإحرام والنية من أركان الحج.

(2) التلبية: والتلبية سنة مشروعة من وقت الإحرام إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر.

 ويستحب الجهر بها للرجال، وأما المرأة فتسمع نفسها ومن يليها فقط، ويرى مالك أنها واجبة، يلزم بتركها أو ترك اتصالها بالإحرام مع طول الوقت دم، وتستحب التلبية عند الركوب أو النـزول، وفي الصعود والهبوط، وفى دبر كل صلاة، وبالأسحار أي قبل صلاة الفجر. وصيغتها المأثورة عند رسول الله هي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك، لا شريك لك" (رواه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر)، ومعنى (لبيك) أي: دواما على طاعتك و وإقامة عليها مرة بعد أخرى، من (لب) بالمكان أي: أقام به ولزمه. والمعنى: أنا مقيم على طاعتك يارب، مؤمن بوحدانيتك المطلقة فوق جميع خلقك، مقر بنعمائك وسلطانك شاكر لك، مواجهك بما تحب إجابة لك وشكراً، مؤكدا أنه لا شريك لك في ملكك، ولا منازع لك في سلطانك. وكان النبي ﷺ إذا فرغ من تلبيته سأل الله مغفرته ورضوانه.
 وقد أورد رسول الله ﷺ في فضل التلبية أقوالا عديدة منها ما يلي: 
• "ما من محرم يضحي يومه (أي يظل) يلبي حتى تغيب الشمس، إلا غابت عنه ذنوبه فعاد كما ولدته أمه" (رواه ابن ماجة).
• "ما أهل مهل قط إلا بُشِّر، ولا كبَّر مُكَبِّرٌ قط إلا بشر "قيل: يا نبي الله: بالجنة؟ قال: "نعم" (رواه الطبراني).
• "ما من مسلم يلبي إلا لبي من عن يمينه وشماله من حجر، أو شجر، أو مدر" (أي الحصى). 
• جاءني جبريل عليه السلام فقال: "مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعائر الحج".
• وعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول ﷺ سئل: أي الحج أفضل؟ فقال: "العج والثج" والعج رفع الصوت بالتلبية و الثج: "نحر الهدي" (البخاري ومسلم).

(3) الطواف بالبيت الحرام:

 سبعة أشواط يبدأها الطائف على طهارة كاملة مضطبعا، محاذيا الحجر الأسود بعد تقبيله أو استلامه أو الإشارة إليه ثم يأخذ في الطواف مكثراً من الذكر والدعاء جاعلاً البيت على يساره و قائلا: "بسم الله والله اكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك وإتباعا لسنة نبيك ﷺ". ويستحب للطائف إذا تيسر له أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى. (والرمل هو الإسراع في المشي مع ثبات الخطى) ثم يمشي مشيا عاديا في الأشواط الأربعة الباقية. ويستحب استلام كل من الحجر الأسود "والركن اليماني" أو الإشارة إليهما في كل شوط من أشواط الطواف السبعة. فإذا فرغ منها صلى ركعتين عند مقام إبراهيم، وبذلك ينتهي الطواف. فإن كان الطائف مفردا بالحج فقط سمي هذا الطواف باسم طواف القدوم أو (التحية) أو(الدخول)، وإن كان قارنا الحج بالعمرة، أو متمتعا بالعمرة إلى الحج، كان هذا الطواف هو (طواف العمرة) ويجزئ عن (طواف القدوم).
وإذا فرغ الطائف من طوافه، وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم يستحب له الشرب من ماء زمزم على ثلاثة أنفاس، متضلعا، ومستقبلا القبلة، وداعيا بما شاء، وحامدا الله تعالى. 

(4) السعي بين الصفا والمروة:

والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط يكون بعد الطواف، يبدأ بالصفا راقيا عليها ويختم بالمروة راقيا عليها وفي الحالتين يتجه للقبلة ويكثر من الدعاء ثم يمشي للموالاة بين الأشواط، ولا موالاة بين الطواف والسعي ودون اشتراط للطهارة على استحبابها، ودون ركوب إلا لعذر، ويستحب الدعاء بين الصفا والمروة، وذكر الله تعالى، وقراءة القران الكريم. 
وبإتمام كل من الطواف والسعي تنتهي أعمال العمرة، فيحل المحرم من إحرامه إن كان متمتعا، ويبقي على إحرامه إن كان قارنا، ولا يحل إلا يوم النحر، ويكفيه هذا السعي عن السعي بعد طواف الإفاضة إن كان قارنا، ويسعى مرة أخرى بعد طواف الإفاضة إن كان متمتعا، ويبقى بمكة المكرمة حتى اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية).

(5) التوجه إلى (منى):

من السنة التوجه إلى منى يوم التروية، فان كان الحاج قارنا أو مفردا توجه إليها بإحرامه، وإن كان متمتعا أحرم بالحج، وفعل مثل ما فعل عند الميقات. والسنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه. ويستحب الإكثار من الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى، وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء بها قصرا بلا جمع، ثم المبيت، وصلاة الفجر، والبقاء حتى طلوع شمس اليوم التاسع. وإن صادف يوم التروية يوم جمعة فعلى الحاج أن يصليها بمكة المكرمة قبل الخروج إلى منى.

(6) التوجه الى عرفات:

يسن التوجه إلى عرفات بعد طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة، مع التكبير والتهليل والتلبية. ويستحب النـزول بنمرة، والاغتسال عندها استعدادا للوقوف بعرفة بعد الزوال، حيث إن الاغتسال للوقوف بعرفة مندوب. والوقوف بعرفة هو "ركن الحج الأعظم" ويبتدئ من وقت الزوال في اليوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع فجر اليوم العاشر. ويكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا، إلا أنه إذا وقف بالنهار وجب عليه مد الوقوف إلى ما بعد الغروب. ويقصد بالوقوف مجرد التواجد والحضور، وينبغي المحافظة على الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة، والإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء مع الالتزام بآداب الدعاء، قال ﷺ: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير". وقد نهى رسول الله ﷺ عن صوم الحاج يوم عرفة، مع ترغيبه في صومه لغير الحاج.
والحاج يصلي الظهر والعصر قصرا وجمعا جمع تقديم في عرفة، وعرفة كلها موقف إلا "بطن عرنة" وهو واد في الجهة الغربية من عرفة.

(7) الإفاضة من عرفة:

يسن الإفاضة من عرفة بعد غروب الشمس بالسكينة مع التلبية والذكر حتى يصل الحاج إلى المزدلفة فيصلي المغرب والعشاء ركعتين بأذان وإقامتين و من غير تطوع بينهما. ثم يبيت إلى صلاة الفجر، وإن أمكنه الوقوف بالمشعر الحرام والإكثار من الذكر والدعاء فالوقوف سنة، وقبل طلوع الشمس يتحرك إلى "منى"، والمزدلفة كلها موقف إلا "وادي مُحَسِّرْ" وهو بين المزدلفة "ومنى". 

(8)  أعمال يوم النحر:

تتلخص أعمال اليوم العاشر من ذي الحجة برمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة. وهذا الترتيب سنة، إلا أن الحاج إذا قدم أو أخر فيها فلا شيء عليه. وإذا أنجز الحاج اثنتين من هذه النسك الأربع فقد تحلل التحلل الأول الذي يبيح له كل ما كان محرما عليه إلا المعاشرة الزوجية، فإن طاف طواف الإفاضة حل له كل شيء.

(9) أعمال أيام التشريق:

أيام التشريق ثلاثة: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، والأعمال فيها رمي الجمرات الثلاثة: الصغرى، ثم الوسطى ثم جمرة العقبة (الكبرى)، ترمي كل جمرة منها بسبع حصيات مكبرا مع كل حصاة. والمتعجل يمكن له الرحيل من "منى" قبل غروب شمس الثاني عشر من ذي الحجة، لقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَ﴾ (البقرة :203).
ويستحب الوقوف بعد رمي الجمرتين الصغرى والوسطى مستقبلا القبلة، داعيا الله تعالى وحامدا لأنعمه ومستغفرا لنفسه ولإخوانه المؤمنين، ولا يستحب الوقوف بعد رمي جمرة العقبة.
وذبح الهدي يكون يوم النحر أو في أيام التشريق الثلاثة، والهدي واجب على كل من القارن والمتمتع، وعلى كل من ترك واجبا من واجبات الحج (المبيت بمزدلفة و المبيت بمنى، الحلق أو التقصير، رمي الجمار، طواف الوداع)، أو ارتكب محظورا من محظورات الإحرام.  

ثانيا: الدروس المستفادة من حجة الوداع كمنهج حياة ما يلي:

(1) ضرورة الإيمان بالله تعالى ربا واحدا أحدا، فردا صمدا، بغير شريك، ولا شبيه، ولا منازع، ولا صاحبة ولا ولد، وضرورة تنـزيهه تعالى عن جمبيع صفات خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله.
(2) التصديق بملائكة الله، وكتبه، ورسله، وبخاتمهم أجمعين، وبالقرآن الكريم، وبأقوال وأفعال الرسول الخاتم ﷺ.
(3) التسليم بوحدة رسالة السماء، وبالأخوة بين الأنبياء الذين دعوا جميعا إلى الإسلام العظيم القائم على عبادة الله تعالى وحده.
(4) التسليم بوحدة الجنس البشرى، وبضرورة المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، والمفاضلة بينهم على أساس من تقوى الله، ومن فهم الإنسان لحقيقة رسالته في الحياة الدنيا: عبدا لله مطالبا بعبادة ربه بما أمر، وبحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها، وإقامة شرع الله وعدله فيها.
(5) الإيمان بالأخوة الإسلامية، وبضرورة الانقياد للحق وأهله، ومحاربة الباطل وجنده.
(6) اليقين في أن الله تعالى فضل بعض الرسل، والأنبياء والأفراد على بعض، كما فضل بعض الأزمنة والأماكن على بعض، فجعل مكة المكرمة أشرف بقاع الأرض، وجعل الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة أشرف أيام السنة، وجعل يوم عرفة أشرفها على الإطلاق، ومن هنا كان شرف أداء الحج والعمرة، وتحريم دخول الكفار والمشركين إلى الحرم المكي.
(7) التسليم بأن الدين عند الله الإسلام ومن ثم التسليم؛ بفضل الإسلام على غيره من المعتقدات، و بفضل القرآن الكريم على غيره من الكتب، وبضرورة الالتزام بتعاليمه، والبراءة من جميع الممارسات الجاهلية في القديم والحديث، وتحديد مصادر تلقي المسلم (في أمر الدين) بكتاب الله وسنة خاتم أنبيائه ورسله ﷺ(
 التصديق بأن الدين قد اكتمل، وأن نعمة الله على العباد قد تمت في حجة الوداع، وأن الأصل في الشريعة الإسلامية التيسير، والحرص على المصالح المرسلة.
(9) الإيمان بحرمة دماء، وأموال، وأعراض الناس، وبضرورة المحافظة عليها، والاقتصاص لها، وسداد الديون ورد المظالم فيها قبل مغادرة هذه الحياة الدنيا.
(10) اليقين بحتمية الموت، والبعث والحشر، والحساب والجزاء، وبالخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا.
(11) التسليم بان الشيطان للإنسان عدو مبين، يتربص للإيقاع به في سوء عمله من خلال الإغواء باقتراف الخطايا والذنوب صغيرها وكبيرها، ومن هنا كانت ضرورة مخالفته والتبرؤ منه.
(12) التصديق بأن الحاكم المسلم مؤتمن من قبل المسلمين على تحقيق شرع الله أمرا واقعا في حياة الناس، فإن قام بذلك فله كل السمع والطاعة، وإن لم يقم بذلك فلا حق له في السمع أو الطاعة.
(13) الإيمان بضرورة تحريم الربا تحريما قطعيا، والنهي عن دعاوى العصبية، والقبلية والعنصرية نهيا قاطعا، وبضرورة تقوى الله في النساء، ومعرفة كل من الزوجين لحقوقه وواجباته التي شرعها له الله، وبضرورة التأسي برسول الله ﷺ وأخذ المناسك عنه، والتبليغ بما جاء به، ومعرفة فضل الدعاء والابتهال إلى الله تعالى وضرورة العمل على جمع كلمة المسلمين، ومنع الاختلاف والاقتتال بينهم.

ثالثا: الدروس المستفادة من حجة الوداع كبرنامج عمل:

(1) ضرورة العمل على تطهير المجتمعات المسلمة من جميع علائق الجاهلية القديمة والحديثة في كل أمر من أمور الحياة.
(2) العمل على تطبيق شرع الله في المجتمعات المسلمة، والتعاون مع جميع المسلمين من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل، ولو على مراحل متأنية، وتربية الأفراد على حب الله ورسوله، وحب الإسلام، وحب ما يدعو إليه من عقيدة صحيحة، وعبادة مفروضة، ومكارم الأخلاق، والرفق واليسر في المعاملات، والعمل على تطبيقه أمرا واقعا في حياة الناس أفرادا ومجتمعات.
(3) العمل على التأصيل الإسلامي لجميع المعارف المكتسبة، والممارسات والسلوكيات العامة والخاصة، انطلاقا من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مع شرح مثالب الأفكار الوافدة، والمعتقدات والعادات والتقاليد الجاهلية القديمة والحديثة.
(4) التواصي على السمع والطاعة للحاكم إذا كان يحكم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فإذا مال عنهما فلا سمع ولا طاعة.
(5) الدعوة إلى دين الله بالكلمة الطيبة، والحجة البالغة، والحكمة والموعظة الحسنة، والحرص على تعليم الناس بالقدوة الحسنة، وبمباشرة كل من الداعي والمعلم لعمله مباشرة مخلصة، متأسيا بما فعله رسول الله ﷺ في  تعليم أمته أثناء حجة الوداع، مستخدما كل الوسائل التربوية اللازمة من التكرار، وجلب الانتباه، وتحميل الحاضر مسؤولية تبليغ الغائب.
(6) العمل على إنصاف المرأة- النصف الأرق في المجتمع الإنساني- وقد ظلمت كثيرا في غيبة شرع الله، ثم رد لها الإسلام كل حقوقها، وحافظ على كرامتها وإنسانيتها، وإن كانت الحضارة المادية المعاصرة تريد استعبادها من جديد بإطلاق الحريات لها بلا حدود.
(7) ضرورة الوقوف مع الضعيف حتى يتمكن من الوقوف على قدميه، ومع المظلوم حتى يسترد حقه مهما كلف ذلك من تضحيات.
 الحرص على تربية المجتمع تربية إسلامية صحيحة، والدعوة إلى المحافظة على دماء، وأموال، وأعراض الناس، وأداء الأمانات، وإشهاد الله تعالى على كل عقد، والجمع بين العدل والرحمة في كل أمر، مع التحذير من الوقوع في الذنوب والخطايا والآثام ما ظهر منها وما بطن.
(9) الدعوة إلى مراقبة الله في كل عمل يقوم به الإنسان، والإحساس بهذه المعية هو خير ضابط للسلوك الإنساني.
(10) الدعوة إلى المحافظة على التاريخ الهجري والشهور القمرية بعد أن ردها رسول الله ﷺ إلى أصولها يوم خلق الله السموات والأرض في حجة الوداع، وذلك لأنها أدق علميا من جميع التقاويم الأخرى. فالله تعالى يوم خلق السماوات والأرض حَرَّم أربعة من الشهور القمرية هي: "ذو القعدة"، و"ذو الحجة"، و"المحرم"، و"رجب". ولكن العرب في الجاهلية -مع تعظيمهم لحرمة هذه الأشهر الأربعة سيرا على ما كان قد بقي لديهم من ملة إبراهيم عليه السلام- كانت تلعب بهم الأهواء أحياناً لتغيير هذه الشهور عن مواضعها الزمنية، فيجعلون الشهر الحرام حلالا إذا احتاجوا إلى الاقتتال فيه، ويجعلون الشهر الحلال حراما إذا لم يكونوا  مستعدين للقتال فيه، ويقولون: شهر بشهر ليوافقوا عدد الأشهر التي حرمها الله، وهم يعلمون أن الله تعالى وحده هو الذي يملك التحليل والتحريم، ولذلك سميت عملية تبديل  الأشهر تلك "بالنسيء"، ووصفه الله تعالى بأنه زيادة في الكفر. ثم جاء الرسول ﷺ ليخطب الناس في يوم النحر من حجة الوداع مؤكدا أن الشهر كان ذا الحجة، وأن اليوم كان العاشر منه فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة إثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان" (صحيح البخاري).
(11) الاستفادة بموسم الحج في عقد مؤتمر سنوي لملوك ورؤساء وزعماء ورجال أعمال العالم الإسلامي لمناقشة قضايا الأمة، ووضع الحلول المناسبة لها.

من كتابات الدكتور زغلول النجار 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع